الإنسان هو خليفة الله في الأرض كما قال تعالي(( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)).لذا جاءت الرسالة الإسلامية وهدفها بناء الإنسان الصالح والأمة الصالحة- كما قال- سبحانه وتعالي هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فكان الهدف الرئيسي لرسالة الإسلام هو بناء ذلك الإنسان بناء يحقق به هذه الأهلية, فبعث الله رسوله محمد, معلما, ومربيا, ومؤدبا. يقول الدكتور أحمد صبري عبد المنعم بالأزهر الشريف إن الرسول كان معلما يتلو عليهم آيات الذكر الحكيم, وموضحا لهم معانيها ومراد رب العالمين منها ومربيا يزكي نفوسهم ويطهرها بمكارم الأخلاق التي جاء بها ليكون رحمة للناس كما قال تعالي(( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) ومؤدبا بكونه قدوة في امتثال ما أمرهم به من العلم والحكمة فكان قدوة لهم في قوله وفعله قال تعالي(( وإنك لعلي خلق عظيم)). والذي ينظر إلي الإسلام نظرة المتأمل يجد أن اختيار رب العالمين سبحانه وتعالي- أسماء( الإسلام- الإيمان- الإحسان) لتكون علما علي دينه, إنما كان ليغرس في وجدان اتباع هذا الدين الركائز والمعالم الرئيسة لهذا الدين, تلك الركائز التي ينبغي أن تتبني الشخصية المسلمة التي تدين لله تعالي بالوحدانية. ويضيف د. أحمد صبري من هنا نتبين هذه الدلالة البديعة التي من أجلها اختار إله السلام من أجلها هذه اللفظة( الإسلام) لتكون علما علي دينه الذي ارتضاه لخلقه, وكذلك الإيمان فإن الله سبحانه وتعالي كما أمرنا أن نرتقي في درجات العبودية من الإسلام إلي الإيمان, أوجب علي المؤمن أن يصاحب هذا الرقي في العبودية رقي في السلوك والأخلاق, ويتضح هذا جليا حينما ننظر إلي أصل كلمة الإيمان في اللغة فهي مصدر من آمن وهو مأخوذ من مادة( أم ن) التي تدل علي معنيين هم الأمانة التي هي ضد الخيانة والأمان ضده الخوف وإنما قيل للمصدق بالله مؤمن لأنه صدقه. ويؤكد د. صبري أن الاحسان هو من أعلي مراتب العبودية لله رب العالمين نجده أيضا مرتبطا بالرقي السلوكي والخلقي لدي الشخصية المسلمة فحينما ننظر إلي أصل كلمة الإحسان في اللغة نجد أنها من مادة( ح س ن) والحسن, بالضم: الجمال, والإحسان: في اللغة فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير. وإذا كان من مقتضي الإحسان في مفهوم العبودية كما جاء في حديث البخاري عن أبي هريرة قال: ما الإحسان؟ قال أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك: قال رسول الله, فإن مقتضي الإحسان في بناء الشخصية المسلمة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفوا عمن ظلمك. والمتأمل في هذه السلوكيات يجد أنها من أصعب السلوكيات علي النفس البشرية, فالمقبول والمتعارف عليه في عرف الناس أن يصل الانسان من وصله, ويعطي من أعطاه, ويحسن إلي من أحسن إليه, أما أن يرتقي سلوك إلي درجة الاحسان فتصير صلته لمن قطعه, وعطاؤه لمن منعه, وإحسانه لمن ظلمه فهذا من أرقي صفات الشخصية الإسلامية التي تمتاز بها, ولا شك عن غيرها من الشخصيات البشرية. وبهذا يتحقق التمايز يقينا بين الشخصية الإسلامية التي تربت علي معالم الكتاب والسنة, وبين غيرها من الشخصيات التي أصابها الخلل والانحراف الفكري أو العقدي أيا كان نوعه أو مصدره, وفي النهاية هذه العناصر الثلاثة فقط لا نعني بذلك أنها وحدها عناصر بناء الإنسان في المفهوم الإسلامي, ولكن هي أسس وركائز البناء وخلفها الكثير من القواعد التي قررها القدوة العظمي للأمة الإسلامية سيدنا محمد, كما قال رب العالمين(( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)). ويقول الدكتور سمير عبد المنعم حسن بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر بالقاهرة إن بناء الإنسان الصالح لنفسه ووطنه يقصد به أن يكون هذا الانسان جديرا بأن يكون خليفة الله تعالي في أرضه لأن الله تعالي كرمه أفضل تكريم وخلقه في أحسن تقويم وسخر له ما في السموات والأرض جميعا, وقواعد هذا البناء هي أولا ترسيخ الإيمان في قلبه وذلك بأن يعلم بأن له ربا خلقه وسواه ومنحه العقل والإرادة, وأرسل إليه الرسول وأنزل له الكتب وعرفه الغاية والطريق ويعلم أن هذا الكون وراءه خالق عظيم وإليه يعود الناس جميعا يوم القيامة.توفي كل نفس بما كسبت وهذا الإيمان هو أول ما يجب أن يتحلي به الإنسان فلا معبود بحق إلا الله. ويضيف قائلا: من هذه القواعد أيضا أن يقوم الإنسان بواجب العبادة لله. فإن الغاية التي خلق من أجلها الإنسان هي عبادة الله وحده كما في قوله تعالي( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون, والعبادة تشمل إقامة الشعائر التي فرضها الإسلام من الصلاة والصيام والحج والزكاة, وما يكملها من الذكر والدعاء وتلاوة القرآن والتسبيح والتهليل والتكبير. ومن هذه القواعد أيضا أن يتحلي الإنسان بالأخلاق الفاضلة فيتربي علي العدل والرحمة والإيثار, يأخذ رسول الله أسوة حسنة له وهو القائل إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ولذلك المسلم يقتبس من نوره ويهتدي بهداه ويتخلق بأخلاقه فالرسول يحدثنا عن الإيمان في صورة أعمال وأخلاق وفضائل كما في قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. ويشير عبد المنعم إلي قاعدة أخري أن يلتزم الإنسان بالمنهج الرباني فمن الأسس التي يقوم عليها بناء الإنسان الصالح أن يلتزم بشريعة ربه التي أحلت له الحلال, وحرمت عليه الحرام وبينت له الحقوق والواجبات ورسمت له الصراط المستقيم الذي يسير عليه هو مقيد في كل حياته بما أحل الله له فلا يأكل الميتة ولا لحم الخنزير ولا يأكل أموال الناس بالباطل, فكل جسم نبت من سحت فالنار أولي به. ولا يحل له أن يتناول المخدرات بأنواعها وسائر الخبائث كما في قوله تعالي يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث سورة الأعراف. ومن هذه القواعد أيضا أن يتربي الإنسان علي حب الدعوة إلي الله تعالي فلا يقف عند صلاح نفسه بل يبذل جهده لإصلاح غيره إلي ما هداه الله اليه كما في سورة العصر يقول سبحانه وتعالي والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. ويؤكد عبد المنعم أن الإنسان يجب أن يتربي علي حب العلم واحترام العقل فيسعي إلي طلب العلم النافع, ومن أهم هذه القواعد أيضا في بناء الإنسان أن يتربي علي حب العمل والإنتاج, فالمسلم مطالب أن يعمل للدينا كأنه يعيش أبدا ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا يقول رسول الله,: ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة الا كان له به صدقة ويقول أيضا إذا قامت الساعة وفي يدي أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتي يغرسها فليغرسها. ويقول أيضا ما أكل أحد طعاما قط أفضل من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده. وأخيرا يقول الدكتور سمير عبد المنعم حسن أن من هذه القواعد المهمة لبناء الإنسان أن يتربي علي حب الوطن وأن يسعي لخدمته. ويقول الدكتور محمد مطاوع- بالأوقاف- لقد عني الإسلام بالإنسان عناية شديدة فهو محور الكون ومرتكز البناء الحضاري الذي تقوم عليه الحضارات الإنسانية بشتي أشكالها والأطوار التي مرت بها الحضارة الإنسانية حتي زماننا الذي نحياه, ولعل أكثر ما يميز نموذج البناء الإسلامي للإنسان شمولية الرؤية من شتي النواحي الإنسانية التي يفتقر إليها كل إنسان في أي أمة من الأمم, وما كان ذلك البنيان الإسلامي للإنسان إلا لتقديم أفضل النماذج للبشرية في أعلي درجات رقيها الروحي والاجتماعي للوصول بدنيا الإنسانية إلي أسمي الدرجات. ولعل من أهم سمات البناء الإسلامي للإنسان ربطه بالرابط الإيماني, فهذا الإنسان يرتبط في مصيره وتكوينه بخالقه ورازقه, كما سمات البناء الإنساني في الإسلام أيضا بسعته واستيعابه لكل النماذج الإنسانية بشتي ثقافاتها وتوجهاتها الفكرية والعقدية, فالإنسان له تكريمه من خلاله جل وعلا بغض النظر عن انتماءاته ومعتقداته, ولعل خير دليل علي ذلك احتواء الحضارة الإسلامية للعديد من العلوم الإنسانية وصهرها بالحضارة الإسلامية وصبغها بصبغتها, بل والإضافة إليها والنهوض بها والأخذ بشتي وسائل الرقي والتقدم. من هنا- والكلام للدكتور مطاوع- بدأت رحلة نهوض الإسلام بالإنسان منذ فجر الإنسانية في بزوغها الأول منذ خلق الله آدم عليه السلام فكرمه علي سائر المخلوقات, وأسجد له ملائكته, وقد بدأ بناء الانسان في الإسلام من خلال المقومات الضرورية والحياتية من النواحي البدنية الروحية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية. ويشير مطاوع إلي البناء العلمي عليه المعول والأساس فلا قيمة لهذا الانسان بدون علم, وقد دعا الإسلام إلي العلم فكان أول ما نزل من القرآن: اقرأ ومن اللطائف القرآنية أن السورة التي نزلت بعد العلق سورة القلم والتي أقسم الله فيها بالقلم وهو أداة الكتابة, وفي هذا إشارة إلي انتقال العرب من مرحلة الحفظ إلي مرحلة التدوين. كما أقسم الحق بالكتابة في سورة الطور في قوله تعالي: والطور. وكتاب مسطور. في رق. منشور. والبيت المعمور. واللافت للنظر أن الحق جعل القسم بالكتاب المسطور بين جبل الطور والبيت المعمور وفيه إشارة إلي عدم التعارض بين العلم والدين, إنما التعارض في العقول والأفكار المتشددة. ويؤكد أن البناء الأخلاقي هو الغاية العظمي التي كانت لأجلها رسالة الإسلام: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وقد مدح الحق النبي, بقوله: إنك لعلي خلق عظيم., القلم4]. وحسن الخلق يقرب من الجنة ويثقل موازين الأعمال يوم القيامة يقول رسول الله,: ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق. وحسن الخلق يجعل العبد من خيار الناس يقول,: إنما خياركم أحاسنكم أخلاقا.