بعدما منح الرئيس السيسي الضوء الأخضر لهيئة الرقابة الإدارية لمحاربة الفساد واقتلاعه من جذوره, ضبطت الهيئة9 قضايا كبري في أيام معدودة, وبهذه المناسبة لابد أن نعي حقيقة أن الفساد لم يعد يمثل لنا صداعا, ولم تعد أخباره في الصحف أو غيرها من وسائل الإعلام تثير الدهشة وترسم علامات التعجب والاستغراب فقد حدثت بيننا نحن المصريين وبين الفساد ألفة وائتلاف, وعشش الفساد وسكن كل ربوعنا, بعد أن نجحت الحكومات المتعاقبة بامتياز واقتدار في نشر ثقافة الفساد بشكل لم يحدث له مثيل حتي في دولة فسادستان التي ما زالت فكرة في عقل ابليس أبو الفاسدين, واعتقد أن المفسد الأول في الكون سوف يعيد حساباته ويعدل من تصوراته لدولته المزعومة إذا ما جاء إلي مصر في رحلة خاطفة وتتلمذ علي يد صناع الفساد عندنا الذين تخرجوا وتدربوا في وزاراتنا المختلفة. لم تعد رائحة الفساد تزكم الأنوف لأنها أصبحت هي الهواء والأنفاس التي أدمنها الناس, في كل مكان, لدرجة أن تجار الأزمات المصريين قرروا أن يقيموا مراكز لتعليم الفساد, ويفكرون جيدا في إسناد إدارتها إلي أباطرة الدروس الخصوصية الذين أصبح لهم باع طويل في إفساد العقول. المهم عندنا الآن ليس أن تكون فاسدا, ولكن الأهم هو كيف تتفوق علي كل الفاسدين وتسبقهم في إفساد الآخرين, وأن تكون أستاذا في نشر قوانين الفساد, وضليعا في معرفة ثغرات كل من يحاول الشذوذ عن طريق الفساد, ويفكر في أن يضل طريقه نحو الصلاح أو يتلوث ويصبح شريفا. وسط غابة الفساد وبحيرات النفاق الآسنة لا وجود لأنصاف الفاسدين أو المفسدين, فوجودهم يعطل مسيرة الفساد الكبري, ويصيب بالعطب دولاب العمل في أسواق الفساد, ويتسبب في هبوط أسعار الأسهم والسندات في بورصة الفساد الأعظم. أصبح الفساد هو الدرس الأول في المدارس,والكلمة الأولي في فم كل طفل,ترضعه الأمهات للأبناء والبنات, كبرت به الأجسام, ونمت عليه العقول,تحكم في العادات والتقاليد,سيطر علي حكايات الجدود والجدات, وكتبت بمداده المسلسلات, وعرضت فصوله في كل الفضائيات. الفساد أصبح في مقدمة الأولويات, وشهادة الفساد أهم أوراق كل من هو مشتاق,إن لم تكن فاسدا لابد أن تطير منفيا علي جناح الجرسة والفضيحة إلي البلاد القبيحة, التي لا تزال تعبد الحقيقة وتنشد الصلاح. حقا وكما قال الراحل إحسان عبد القدوس مع التحريف في التوصيف من عندي يا عزيزي كلنا فاسدون, نعم يبقي هناك من لم تصل إليهم جرثومة الفساد بعد, ولكنها في الطريق إليهم, مهما طالت المسافة,فقطار الفساد يسير مسرع الخطي وقوده القرارات والقوانين غير المدروسة, والاختيارت غير السديدة للمسئولين, وترزية القوانين, الذين لا يراعون الله ولا الدين, لا يهمهم أن يجوع الناس أو يعروا, ما دام الأغنياء يلبسون ثوب السلطة والوجاهة. والفاسدون درجات ومقاسات كما الأحذية, منهم الفاسد الصغير الذي يستغل حالة غلاء الأسعار المنتشرة حاليا ويضاعف سعر سلعته أيا كانت قيمتها,وأيا كان حجمها أو حاجة الناس إليها, حتي ولو كانت باكو بسكويت أو قرصا مدمجا زاد سعره بين يوم وليلة من جنيه ونصف الجنيه إلي ثلاثة جنيهات, أو إذا كان موظفا في جهاز حماية حقوق الناس, الذي نام ضميره, وغض بصره عن مثل هؤلاء الفاسدين, أو حتي من اشتري السلعة ولم يبلغ عن بائعها الفاسد.