وزير التعليم العالي يرأس اجتماع المجلس الأعلى للجامعات.. تفاصيل    الدكتور خالد عامر نقيباً لأطباء أسنان الشرقية    سعر الذهب بمنتصف التعاملات اليوم السبت.. «كم سجل عيار 21»    توريد 29 ألف طن قمح إلى مراكز التجميع في البحيرة    انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة غدًا    صندوق النقد الدولي: تدفقات نقدية بنحو 600 مليون دولار لمصر من الطروحات الحكومية في الربع الأخير من 2023-2024    «القاهرة الإخبارية» تكشف تفاصيل الصفقة المصرية لوقف حرب غزة    رئيس حزب القوات اللبنانية عن عمليات حزب الله: لم تفد غزة بشيء    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    من هي «منقذة» الأهلي أمام مازيمبي في دوري أبطال إفريقيا؟    الزمالك يفاوض ثنائي جنوب أفريقيا رغم إيقاف القيد    بعد التتويج بلقبي الجونة للإسكواش.. فرج ونوران: هدفنا بطولة العالم    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    حملة لإزالة التعديات بأسواق مرسى مطروح قبل الموسم الصيفي    ال دارك ويب أداة قتل طفل شبرا الخيمة.. أكبر سوق إجرامي يستهدف المراهقين    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    رسالة قوية.. مها الصغير تحسم شائعة انفصالها عن أحمد السقا (فيديو)    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    تعليق سلوى محمد علي بعد جلستها المثيرة للجدل في مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    موعد شم النسيم 2024: فرحة الربيع وتجديد الحياة    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    «حياة كريمة» تنظم قافلة طبية وبيطرية بقرية نبتيت في الشرقية    بيريرا يكشف حقيقة رفع قضية ضد حكم دولي في المحكمة الرياضية    جامعة القاهرة تناقش دور الملكية الفكرية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة    مكتبة مصر العامة بالأقصر تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء.. صور    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة بسبب سوء الأحوال الجوية وتعطيل العمل غدًا    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    وسط اعتقال أكثر من 550.. الاحتجاجات الطلابية المناهضة لإسرائيل بالجامعات الأمريكية ترفض التراجع    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    قوافل بالمحافظات.. استخراج 6964 بطاقة رقم قومي و17 ألف "مصدر مميكن"    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    8 معلومات عن مجلدات المفاهيم لطلاب الثانوية العامة 2024    ضبط عاطل يُنقب عن الآثار في الزيتون    بدء أعمال المؤتمر السادس لرؤساء البرلمانات والمجالس النيابية العربية    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    "السياحة": مد برنامج تحفيز الطيران حتى 29 أكتوبر 2024 مع إجراء بعض التعديلات -تفاصيل    رئيس جهاز العاصمة الإدارية يجتمع بممثلي الشركات المنفذة لحي جاردن سيتي الجديدة    محافظة القاهرة تكثف حملات إزالة الإشغالات والتعديات على حرم الطريق    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خبيرة: يوم رائع لمواليد الأبراج النارية    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    وزير الري يشارك فى فعاليات "مؤتمر بغداد الدولى الرابع للمياه"    «بيت الزكاة» يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة ضمن حملة إغاثة غزة    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    كرة اليد، موعد مباراة الزمالك والترجي في نهائي بطولة أفريقيا    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    طلب إحاطة يحذر من تزايد معدلات الولادة القيصرية    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    خبير أوبئة: مصر خالية من «شلل الأطفال» ببرامج تطعيمات مستمرة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحلام مستقبلية وقاهرة‏2050‏ لا تبشر بخير

حدث شيء غريب جدا الأسبوع الماضي فقد مللت من كثرة الأحلام الملخبطة التي تقتحم منامي يوميا فمرة أحلم بسخافات العمل مختلطة برزالات التليفزيون‏,‏ ومرة أخري ينتابني كابوس قوامه أنني أغرق في يوم عاصف من السيارات المتصارعة أعلي كوبري‏6‏ أكتوبر‏.
ومرة ثالثة أري فيما يري النائم أن الحراك السياسي ومخاض التغيير الذي نتحدث عنه ليلا نهارا قد تحول إلي أطنان من السمك الفاسد وليترات من اللبن المخلوط بالفورمالين‏,‏ وأكواب لا أول لها أو آخر من التمر هندي‏.‏
عم الشيخ
وامتثلت لأحد مشايخ الفضائيات الأفاضل وجهابذة تفسير خير اللهم اجعله خير الأحلام الذي أرسلت له مشكلتي مع الأحلام ورغبتي العارمة في ان اري حلما من نوع جديد ومفتخر‏,‏ أي أن يكون مختلفا عن الأحلام الكلاسيكية التي هي نتاج لحياتنا المكتظة بالمشكلات والسخافات وبلح الأمهات وما كان من سيدنا الشيخ إلا أن اقترح علي بعد أن أرسلت له إس إم إس ان أحلم حلما مستقبليا أعجبتني الفكرة جدا‏,‏ فمؤكد أنه سيكون حلما أوريجينال ومؤكد أن صديقاتي سيشعرن بغيرة عارمة مني‏,‏ لأن أيا منهن حتما ستكون غارقة لشوشتها مثلي في الأحلام الآنية التي لا تقدم أو تؤخر ولكن كيف أفعل هذا؟
أرسلت إس إم إس أخري علي رقم الشيخ مفسر الأحلام وحلال العقد‏,‏ وسألته عن الطريقة التي يمكنني من خلالها أن أري حلما مستقبليا فجاءني الرد بأن الموضوع مش بالساهل كده‏,‏ وأن علي أن أتكبد عناء الدعاء المكثف والتمني المفرط ليتحقق لي حلمي‏,‏ بالإضافة إلي مكالمة هاتفية علي رقم زيرو‏900‏ تكلفة الدقيقة‏175‏ قرشا شاملة الضرائب حتي استمع إلي نص دعاء من النوع المفتخر يساعدني علي تحقيق حلمي المستقبلي‏.‏
وأمام رغبتي العارمة في تحقيق حلمي‏,‏ ضحيت بال‏175‏ قرشا‏,‏ واتصلت بالرقم وظللت أستمع إلي ابتهالات دينية‏,‏ ثم أناشيد دينية‏,‏ ثم إعلانات دينية عن خدمات خط الأدعية الساخن‏,‏ وبعد نحو ثماني دقائق‏,‏ وحرقة دم لا أول لها أو آخر‏,‏ استمعت إلي رسالة مطولة تأمرني فيها صاحبة الصوت المحاط بكثير من الإيمان والورع‏,‏ والمكلل بين كل كلمة وأخري بعبارات جميلة مثل القاهرة‏2050‏ وبما أنني كنت قد كعيت ما لا يقل عن‏17‏ جنيها‏,‏ وحيث أن رغبتي في الحلم المستقبلي كانت قد بلغت مداها‏,‏ فقد تركت طلبي بالفعل‏,‏ وعادوت الاتصال بعد ساعة وبعد اللفة إياها التي تخللتها هذه المرة إعلانات أخري عن فتاوي هاتفية‏,‏ وخدمة تزويج أختي المؤمنة بأخي المؤمن‏,‏ وعرض تزويدكم بمديرة بيت ملتزمة ومنقبة‏,‏ وجدت ضالتي المنشودة‏:‏ نص الدعاء الذي لم يخرج عن إطار تمني تحقيق الهدف‏,‏ والذي كان في إمكاني أن اصيغه بنفسي دون أي كلل أو تعب أو‏175‏ قرشا للدقيقة‏.‏ المهم هو أنني حفظت الدعاء عن ظهر قلب‏,‏ وأخذت أردده طيلة النهار والليل إلي أن خلدت إلي النوم ويبدو أنني كنت بالفعل مخلصة جدا جدا في دعائي‏,‏ فما أن أغلقت عيني‏,‏ وبدأت أخوض في أغوار النوم العميق‏,‏ حتي سمعت أصوات موسيقي صاخبة وبدأت الكلمات تظهر أمام عيني مصحوبة بصوت جمهوري زي صوت الراجل إللي بيخوف بتاع زمان اللي كانوا بيستهلوا به بعض الأفلام مرددا عظة أو عبرة تلخص قصة الفيلم‏:‏ أنصار الدعاء المستجاب تقدم لكم بكل فخر‏:‏ القاهرة‏2050.‏ شعرت بروحي ترفرف من الفرحة‏,‏ لا سيما أن الحلم كان شاملا علبة فشار وكانز حاجة ساقعة واستسلمت لحلمي المستقبلي‏.‏
طين وأنابيب
وبدأ الحلم بموسيقي كئيبة تصل إلي حد الرعب قلت في قرارة نفسي‏:‏ اثبتي‏!‏ دي موسيقي للتشويق والإثارة بس‏!‏ دلوقتي هاشوف حلاوة القاهرة وجمالها في‏2050‏ وفجأة أضيء المكان ليكشف عن خير اللهم اجعله خيرا شارع جانبي‏,‏ أعتقد أنه في حي شبرا العريق حيث أمضيت طفولتي كان الشارع مغطي بمترين من الطين‏,‏ والناس يسيرون فيه بصعوبة بالغة‏,‏ ولكنهم علي ما يبدو لم يكونوا متضررين أو متضايقين اقتربت من أحدهم‏,‏ وسألته‏:‏ إيه ده يا عم الحاج؟‏!‏ إيه الطينة دي كلها؟‏!‏ نظر إلي وكأنني كائن من الفضاء الخارجي‏:‏
طينة إيه إللي كتير دي؟‏!‏ ده الدنيا مطرت إمبارح شوية‏,‏ وعلشان كده شوية التراب ده اتكوم هنا علي الجنب ما فيش مشكلة يعني‏!‏ عادي‏.‏ وبما أن عم الحاج أكد لي انه عادي‏,‏ فقد غصت أنا الأخري في الطين‏,‏ وانطلقت إلي شارع آخر مواز كانت تصدر منه أصوات صياح عالية وجدت جمهرة ضخمة من الرجال والنساء والأطفال أمام محل كبير‏,‏ وبدا لي أن الجميع يفتك ببعضهم البعض وحين اقتربت هالني ما رأيت‏!‏ فقد كان الرجال يتبارزون بمطاوي قرن غزال‏,‏ والنساء يتناطحن بسكاكين المطبخ‏,‏ أما الأطفال فكانوا يدكون رءوس بعضهم بأحذية وقطع خشبية ومعدنية يلتقطونها من علي الأرض وحين دققت النظر‏,‏ كدت أفقد الوعي‏,‏ فقد وجدت عشرات القتلي ومئات الجرحي ودماء تلطخ الأرض في كل مكان حاولت أنظر إلي داخل المحل لأري ما يحدث‏,‏ وتخيلت أنه ربما قسم شرطة وأن أولئك المتصارعين جاءوا لأنهم تعاركوا أو نشبت بينهم معارك ثأرية طاحنة‏,‏ فجاءوا يستنجدون برجال الشرطة‏,‏ أو شيء من هذا القبيل ولكني فوجت بأنه مستودع لأنانبيب البوتاجاز ابتعدت بسرعة‏,‏ ورأيت رجلا طاعنا في السن يجاهد ليمشي بضع خطوات استوقفته وسألته‏:‏ هي الناس دي بتعمل في بعض كده ليه؟ نظر إلي هو الآخر وقال لي الظاهر إنك مش من هنا‏!‏ ما فيش حاجة غريبة يا بنتي دول بييجوا كل يوم هما أول الورثة علشان يحاولوا يحصلوا علي أنبوبة بوتاجاز سألته وأنا غير مصدقة‏:‏ آه يبقي أكيد المستودع دع بيوزع الأنابيب ببلاش‏!‏ ضحك الرجل حتي كاد يسقط علي الأرض لولا أنني امسكت بيده ثم قال لي‏:‏ يا بنتي ده سعر الأنبوبة المدعمة‏1800‏ جنيه ودون أن أدري قلت يا نهار أسود‏!‏ أمال اللي مش مدعمة بكام؟‏!‏ قال دون اكتراث‏.‏ يعني ما بين‏2100‏ و‏2500‏ جنيه‏,‏ أصل أصحاب مصانع الطوب ومزارع الدواجن وبلطجية السوق السوداء مغلبين الحكومة ياولداه تركت الرجل الطيب‏,‏ ومشيت وأنا أضرب كفا بكف‏.‏
أيام المشوار
وقررت ان أذهب إلي خارج هذه المنطقة‏,‏ استوقفت تاكسيا‏,‏ وفوجئت بالعداد يبدأ من‏200‏ جنيه‏,‏ سألته عن سعر لتر البنزين‏,‏ فقال ان لتر ال‏90‏ بخمسين جنيها‏,‏ وال‏92‏ ب‏60‏ جنيها‏,‏ فسكت حتي لا يعرف انني أحلم فيخرجني عن حلمي الذي طالما تمنيته‏,‏ طلبت منه ان يتوجه بي إلي مدينة‏6‏ أكتوبر‏,‏ وأنا امني نفسي برحلة عبر القاهرة لأري ما طرأ عليها من عمران وتطوير وما ان اخترق السائق الشارع الجانبي حتي فوجئت به يدخل ساحة انتظار سيارات ويقف‏,‏ وترك العداد يقفز قفزات عنترية‏,‏ صحت فيه قائلة‏:‏ هو إيه ده؟ هو أنا راكبة علشان تركن وتدفعني العداد؟ نظر إلي السائق وهو متعجب وقال مستهجنا‏:‏ اركن ايه ياستي بس؟ الدنيا زحمة‏!‏ نظرت حولي فوجدت ان كل سيارة في داخلها سائق وركاب بالفعل‏,‏ وان المكان الذي نقف فيه هو شارع وليس مكان انتظار‏,‏ نظرت علي مدي البصر‏,‏ فوجدت الآف السيارات المصطفة‏,‏ سألته وانا مستسلمة‏:‏ طيب وفي تقديرك ممكن نوصل مشوارنا أمتي؟ وجدته يعبث في نتيجة رقمية امامه‏,‏ وليس الساعة‏,‏ وقال لي‏:‏ يعني لو ربنا سهل في الطريق‏,‏ ممكن بعد يومين او ثلاثة‏,‏ لكن لو فيه زحمة جامدة‏,‏ أو تشريفة‏,‏ ممكن نصل بعد اسبوع‏.‏
انتابتني حالة من الضحك الهستيري‏,‏ وأنا غير مصدقة مايحدث‏,‏ وسألت السائق مجددا‏:‏ طيب والوقت ده كله الناس بتعمل فيه ايه؟ تعجب السائق مجددا من السؤال وقال‏:‏ بصي حواليكي وأنت تعرفي‏!‏ وقبل ان انظر حولي وجدته يخلع قميصه‏,‏ كاشفا عن بيجاما يرتديها اسفله‏,‏ ومدد علي الكرسي‏.‏
قائلا‏:‏ تصبحي علي خير‏,‏ نظرت حولي فوجدت سيدة وحولها طفلاها وهما ينجزان واجباتهما المدرسية‏,‏ وفي الجهة الأخري‏,‏ وجدت سيدة أخري تقمع البامية‏,‏ وتقلب الأرز الموضوع علي بوتاجار صغير محمول علي تابلوه السيارة‏,‏ وأمامي رجل وقد اكتسي وجهه بصابون الحلاقة والحلاق يحلق له ذقنه‏,‏ وورائي مجموعة من قائدي السيارات والركاب وقد كونوا فريقين لكرة القدم علي الرصيف‏.‏
سكان الكوبري
وبعد نحو‏18‏ ساعة‏,‏ استيقظ السائق‏,‏ وغسل وجهه‏,‏ واستأنفنا رحلة السير حتي وصلنا إلي مطلع شيء يشبه الي حد كبير مطلع كوبري‏6‏ أكتوبر العزيز ولولا الأكشاك الخشبية والعشش الكرتونية لأقسمت انه الكوبري‏,‏ التزمت الصمت حتي أتحقق مما يجري‏,‏ فوجئت بأن المكان يكتظ بهذه العشش والاكشاك علي الجانبين‏,‏ ليس هذا فقط‏,‏ بل ان سكان هذه العشش كانوا منتشرين في كل مكان‏.‏ نساء ورجالا وأطفالا يجلسون امام العشش ويركضون امام السيارات دون اكثراث اضطررت ان اسأل السائق‏:‏ هما دول بيعملوا ايه هنا؟ قال‏:‏ دول ساكنين هنا سألته مجددا‏:‏ بقالهم كتير هنا؟ قال‏:‏ يعني عشرين ثلاثين سنة‏,‏ والحكومة ملكتهم ارض الكوبري‏,‏ ورجعت دلوقتي عايزة تبيعها لمستثمر اجنبي‏!‏ سألته بدهشة شديدة‏:‏ مستثمر؟ هيشتري رصيف الكوبري؟ قال السائق‏:‏ ايوه‏!‏ بيقولوا هيعمل عليها فندق خمس نجوم‏!‏ ابتلعت الصدمة واقنعت نفسي بأن شيئا لن يفسد حلمي المستقبلي‏.‏
طلبت من السائق ان يمر بنا من وسط القاهرة‏,‏ وهو ما حققه لي بعد يوم كامل من السير علي الكوبري‏,‏ وما ان وصلنا ميدان التحرير‏,‏ حتي فوجئت بعدد من ناطحات السحاب الخرسانية القبيحة‏.‏ وقد حلت محل العمارات الجميلة التي كانت تزين الميدان‏,‏ اما شوارع وسط البلد‏,‏ فقد اختفت الأرصفة تماما‏,‏ وهالتني اعداد الباعة الجائلين الذين يبيعون بضاعتهم الرديئة‏,‏ واختلست النظر إلي داخل المحلات‏,‏ فوجدت ان أصحاب المحلات والباعة جميعهم من الصين مرة أخري سألت السائق عما يحدث‏,‏ فقال لي‏:‏ ياااه ده من زمان جدا‏!‏
الجماعة الصينيون اشتروا محلات وسط البلد بتراب الفلوس‏,‏ واستقروا في مصر‏.‏
حديقة الحيوان سابقا
شعرت بحزن شديد ينتابني‏,‏ فحاولت ان اخرج من هذا الشعور‏,‏ فطلبت منه أن نمر امام حديقة الحيوان في الجيزة فهو المكان الذي يذكرني برحلات المدرسة وصلنا المكن المنشود بعد حوالي ثلاثة ارباع يوم‏,‏ وتوقف السائق امام اسوار شاهقة‏,‏ قوال لي‏:‏ اهي‏!‏ سألته متعجبة‏:‏ أهي إيه‏!‏ فين الجنينة؟ قال ضاحكا‏:‏ هو حضرتك فاكرة ان لسه فيه جنينة‏,‏ وحيوانات وناس تيجي تزورها زي زمان؟ هاها ها‏!‏ ويبدو انه أشفق علي حين لمح علامات التعجب علي وجهي‏,‏ وقال‏:‏ الجنينة انتهت من زمان‏,‏ آخر حيوان كان فاضل فيها كان قردا‏,‏ فيه ناس بتقول انه انتحر من الاكتئاب‏,‏ وناس تانية بتقول انه مات من القذارة‏.‏ المهم هو ان الحكومة خصخصت الجنينة‏!‏ صرخت بصوت عال‏:‏ يا لهوي‏!‏ خصخصتها؟‏!‏ قال دون اكتراث‏:‏ أيوه‏!‏ باعتها لمستثمر مصري بعشرة الآف جنيه‏!‏ هنا لطمت علي وجهي‏,‏ وطلبت منه أن ينطلق بعيدا حتي لا اصاب بلوثة عقلية‏.‏
وبعد نحو أسبوع وصلنا إلي مدينة‏6‏ أكتوبر التي لم اتعرف عليها فقد تم بناء محورين فوق المحور الأصلي لاستيعاب اعداد السيارات‏,‏ اما المدينة نفسها‏,‏ فقد تحولت إلي عشوائية كبري‏,‏ تتوسطها بعض الكومباوندز‏,‏ وعرفت من السائق ان المدينة توسعت وتوغلت وتوحشت وانها وصلت إلي حدود مدينة الإسكندرية‏.‏
الأدهي من ذلك‏,‏ انني اكتشفت ان المدينة تم تقسيمها إلي اربع محافظات‏,‏ وان محافظات مصر وصل مجموعها إلي‏1190‏ محافظة‏,‏ وان سكانها بلغ عددهم مليارا ويزيدون وان ما لا يقل عن‏800‏ مليون‏,‏ منهم يعيشون تحت خط الفقر‏,‏ وان مليونا فقدوا خط الفقر نفسه‏,‏ وان ما حدش عارف هما فين دلوقتي‏.‏
وفجأة سألني السائق ان كنت اريد ان اعود من حيث بدأنا الرحلة‏,‏ فقلت له دون تفكير‏:‏ لا كفاني ما رأيت‏!‏ سأعود بطريقتي الخاصة نظرت إلي العداد‏,‏ فوجدته قد قفز إلي عشرة الاف جنيه‏,‏ لم أجد معي سوي‏30‏ جنيها منها‏,‏ فقررت ان اوقف هذه المهزلة المسقبلية فورا‏.‏
أجبرت نفسي علي ان استيقظ من النوم‏,‏ ودعوت الله من كل قلبي ألا اخوض في احلام مستقبلية مجددا‏,‏ اما الشيخ العلامة مفسر الأحلام فله معي حساب آخر‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.