عقب التفجير الإرهابي المروع الذي وقع في الكنيسة البطرسية بالعباسية, ثم تحديد شخصية المتهم في هذه العملية الانتحارية في وقت وجيز للغاية, وكذلك الخلية التي وفرت الدعم والإسناد له.. تبين أن خيوط هذه العملية تنتهي عند بعض قادة التنظيم الإخواني المقيمين في قطر, وان المنفذين جميعا هم من عضوية التنظيم الذين جنحوا إلي العنف وانتموا إلي الفصائل التي تعرف بالكتائب النوعية. وقد تبين أيضا أن محمود شفيق الذي قام بالتفجير كان قد سبق ضبطه في عام..2014 وكان من اللافت هو تأكيد أسرة المتهم( والدته وشقيقته) انه هارب إلي السودان من سنتين- أي منذ أن تم الإفراج المؤقت عنه- وانه يتواصل معهم هاتفيا..ورغم تداول هذه المعلومة علي نطاق واسع عبر الإعلام المرئي والمكتوب, وبشكل موثق عبر الفيديو أو الاتصالات الهاتفية الحية مع أسرة المتهم, إلا أن أحدا لم يتوقف عند الدلالات بالغة الأهمية لهذ الأمر وتداعياته الخطرة, والمؤشرات التي تنذر وتحذر من مكمن موجة أو موجات العنف القادمة. لقد كتبنا قبل أسبوعين في هذا المكان نحذر من عودة السودان لسياسات دعم الإرهاب التي انتهجها النظام الإخواني الانقاذي فور وصوله إلي السلطة عقب انقلاب يونيو1989, والتي قام من خلالها بفتح أراضي السودان لتدفق أعداد هائلة من عناصر الإرهاب من مختلف بلدان العالم, وجري حينها تقديم الدعم والمأوي وفتح المعسكرات للتدريب وتقديم التمويل, خصوصا للعمليات والتفجيرات التي كانت تجري حينها في مصر. ثم تطور ذلك أيضا لتدبير محاولة اغتيال فاشلة في أديس أبابا للرئيس الأسبق حسني مبارك في1995 تورط فيها كبار قادة نظام الإخوان الانقاذي وأجهزتهم الأمنية تدبيرا وتمويلا وإسنادا لوجستيا, وتحدث عنها الراحل حسن الترابي, زعيم وعراب التنظيم السوداني, في اعترافات تفصيلية موثقة في قناة الجزيرة, وأحدث ضجة هائلة داخل السودان وخارجه..ومن الصحيح أن الراحل الترابي لم يكن يريد مراجعة قناعاته وأفكاره, وإنما كان يهدف بالأساس الي دمغ وفضح بعض تلاميذه الذين انقلبوا عليه وأقصوه من السلطة ثم سجنوه وأهانوه, إلا أن المحصلة كانت تأكيدا يقينيا بممارسات التنظيم الإخواني الانقاذي, التي يتم العودة لها الآن وتكرارها بنفس السيناريو وتستعاد سياسات الإنكار والمراوغة القديمة نفسها, القائمة علي ازدواجية الظاهر والباطن, حيث يتم توفير الدعم والرعاية للإرهاب بالتوازي مع إصدار الإدانات العلنية. لقد أشرنا استنادا إلي ما نشر في المواقع التابعة للإخوان الهاربين في تركيا وبعض المواقع الخليجية عن وجود المئات من عناصر الجناح الكمالي في السودان الذي انبثقت عنه فصائل العنف الإخوانية التي تطلق علي نفسها مسميات مثل حسم وولواء الثورة وغيرها والتي أعلنت مسئوليتها عن العديد من عمليات التفجير والاغتيالات داخل مصر..ان قصة محمود شفيق توضح الأبعاد والتداعيات الخطرة المترتبة علي تحول السودان إلي ملاذ آمن لهذه العناصر حيث يتلقون الرعاية والتدريب والشحن المعنوي, ثم يتم دفعهم إلي مصر للقيام بعمليات تسعي إلي تحقيق أهداف مركبة تشمل منع عودة السياحة وإضعاف الاقتصاد وهز الاستقرار وبث الفتنة تحت رعاية تحالف إقليمي معروف.. وهذا ما يقتضي التوقف عنده مليا واتخاذ ما يلزم من إجراءات للتعامل مع مصادر التهديد, فالوقت لم يعد يحتمل مد حبال الصبر أملا في العودة إلي الرشد والتعاون واقتسام المصالح- والتي من الواضح انه يساء فهمها- بعد أن كشف الخطر عن وجهه القبيح وبدأت النذر تتجمع في الأفق.