حياة خطاب: القمة المصرية الأذربيجانية تأتي في توقيت مهم من أجل فلسطين    «زراعة القاهرة» تحصل على شهادة الأيزو الخاصة بجودة المؤسسات التعليمية    «الخارجية»: الاعتداءات الإسرائيلية على مخيم النصيرات بغزة انتهاك سافر للقانون الدولي    وزير الرياضة يؤازر بعثة منتخب مصر قبل السفر لمواجهة غينيا بيساو (صور)    «تعليم القاهرة» تكشف أبرز استعداداتها لامتحانات الثانوية العامة    أسعار تذاكر الأتوبيس النهري من المظلات إلى القناطر الخيرية خلال إجازة عيد الأضحى    رئيس الشؤون الدينية بالحرمين: نستهدف توزيع مليون مصحف مترجم خلال موسم الحج    دعاء النبي في العشر الأوائل من ذي الحجة.. أدعية مستجابة لمحو جميع الذنوب (الكوامل الجوامع)    «الصحة»: استحداث خدمات طبية جديدة بمستشفى العلمين النموذجي خلال العام الجاري    دروس من سيرة ملك القلوب    الزمن كفيل يكشف كل حاجة.. عمرو مصطفى يشارك جمهوره بمنشور غامض    مصر تدين بأشد العبارات الاعتداءات الإسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    #الامارات_تقتل_السودانيين يتصدر "لتواصل" بعد مجزرة "ود النورة"    يوسف أيوب يكتب: الحكومة الجديدة أمام مهمة صعبة    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    ميدو يُعلن عن مكافآة 200 ألف جنيه للاعب الإسماعيلي إذا سجل 10 أهداف (فيديو)    عاجل.. تعليق مفاجئ من زيدان عن انتقال مبابي إلى ريال مدريد    10 أسماء.. قائمة الراحلين عن الأهلي بنهاية الموسم    وزير العمل يشدد على التدخل العاجل لحماية حقوق العمال ضحايا الإحتلال في فلسطين    المعاهد النموذجية تحصد المراكز الأولى في الابتدائية الأزهرية بالإسماعيلية    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية الأزهرية بشمال سيناء    «القصير» يوجه بإجراء تحليل صفات الجودة لزراعة نبات الكسافا    أصالة تحيي حفلا في إسبانيا 26 يوليو المقبل    مظاهرات حاشدة في لندن تنديدا بمجزرة النصيرات وللمطالبة بوقف الحرب على غزة    سناء منصور تحتفي بنجيب الريحاني في ذكرى وفاته: «كوميديان نمبر وان»    قائمة أفلام عيد الأضحى 2024.. 4 أعمال تنافس في شباك التذاكر    لمواليد برج العذراء.. التوقعات الفلكية في الأسبوع الثاني من يونيو 2024 (تفاصبل)    محافظ الشرقية يشارك في اجتماع المعهد التكنولوجي بالعاشر    «الإفتاء» توضح حكم صيام عرفة للحاج    ما حكم طواف الإفاضة قبل رمي جمرة العقبة؟.. «الإفتاء» تجيب    وزير التعليم يتسلم نتيجة مسابقة شغل 11 ألفا و114 وظيفة معلم مساعد فصل    منتخب الكاميرون يسحق الرأس الأخضر 4-1 فى تصفيات كأس العالم    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية دمشاو هاشم لمدة يومين    لماذا يحتاج الجسم لبكتريا البروبيوتيك؟، اعرف التفاصيل    البنك الأهلى المصرى يجدد الشراكة الاستراتيجية مع فيزا    مانويل نوير يثير قلق الألمان قبل افتتاح يورو 2024    العثور على 5 جثث في منطقة جبلية بأسوان    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    وزير الأوقاف: لا خوف على الدين ومصر حارسة له بعلمائها وأزهرها    في خدمتك | تعرف على الطريقة الصحيحة لتوزيع الأضحية حسب الشريعة    لطفية الدليمى: لم أتخيل في أشد كوابيسي أن أغادر العراق    المشدد 5 سنوات لمتهم في قضية حرق «كنيسة كفر حكيم»    فتاة بدلا من التورتة.. تفاصيل احتفال سفاح التجمع بعيد ميلاده الأخير    انطلاق مهرجان نجوم الجامعات    وليد الركراكي يُعلق على غضب حكيم زياش ويوسف النصيري أمام زامبيا    هيئة الدواء في شهر: ضبط 21 مؤسسة غير مرخصة ومضبوطات بأكثر من 30 مليون جنيه    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    عاجل| 6 طلبات فورية من صندوق النقد للحكومة... لا يمكن الخروج عنهم    أخبار الأهلي : مفاجأة ..ميسي قد يرافق الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية نقدية:
جيهان سلام.. أنا ونساؤك الخمسون

جاءت اغلب الروايات والأشعار التي تتحدث عن الحب والنساء والعواطف الجياشة والعواصف المدمرة من لدن شعراء الرجال, تصنع أقوالا وأقلاما لها انتماء ذكوري محض,
ومنذ ان وعت البشرية فكرة الشعراء, بجسامتها وجسارتها هذه الاشعار المروية تكتسب أهمية قصوي, فهم الفقهاء الذين نظروا منذ عصر افلاطون(427 قبل الميلاد) وارسطو(384 قبل الميلاد) للموسيقي والشعر الغنائي والسير والملاحم والمدارس الفلسفية( الرواقيين الأبيقوربين) ولقد اعتمدنا علي ما جاءنا واضفنا الكثير جدا, فهذه أمة كانت تقول الشعر بالسليقة ومدارسها ترواحت بين البعث والإحياء إلي الرمزية ثم الحداثة وما بعدها. كل ذلك ولم تنبغ من اشعارهن الا القليل ولا طبقت الافاق منهن الا الاقل ف( هي) وان كانت موضوع الغزل والعشق المتيم والقول الجميل في الهوي الفضاح الا انها لا تستطيع في الماضي ولا الحاضر ان تعلن عن نفسها وشاعريتها, فهذا السهرودي يقول: وارحمتا للعاشقين تكلفوا, ستر المحبة والهوي فضاح, بالسر إن باحوا تباح دماؤهم وكذا دماء العاشقين تباح, ولعلنا الآن أمام تجربة شعرية وفردية نادرة المثال قال عنها غير واحد من اساطين النقد في مصر والعالم العربي, انها تمثل ذروة سنام الجمل في درامية بنيه التركيب الشعري الرومانسي التي توقفت لحين بعد رحيل نزار قباني وإقلال فاروق جويدة بل ان ناقدا كبيرا هو مدحت الجيار قد رأي ان ديوان, أنا ونساؤك الخمسون, لجيهان سلام هو التمثيل لنزاويات الانثي بحق ويلفت النظر هنا الي ان رجلا بعينه غير موجود في الديوان رغم انه الموضوع وهو الهوي والمراد, ولديها رؤية عنه وهي تهجوه بقاموس شتائم دال بحساب محاط بعنايه, كل ذلك مؤشرات علي ان دائرة موضوع الديوان قصائد عن رجل تكتبه انثي آثرت ان تغيب نرجسيتها لصالح ان تحاصر المتلقي في زاويه اغفلها الزمن والشعراء الكبار( يا أيها الرجل الغبي, دع عنك كل الأغنيات, وأيقظ الطفل الصبي, ليراقص البنت الجميلة في المدي, وليحلما بالشمس تمطر عسجدا للعاشقين يا أيها الرجل اللعين, أنا لست ملكا لليمين...) ان هذ الاقتراب غير الحذر أو البطيء قد دفعنا دفعا إلي خطاب حداثي وفرض أسلوبا شعريا يقوم علي وجود حركة صياغة مضادة للذكورية التي انتهجها الشعراء في السابق او الذين تخفوا في عباءات النساء( ومازلنا في قصيدة مازلت ابحث عن نبي يا أيها الرجل الذي يهوي مضاجعة القصيدة, في زوايا المجلس, انا لا أبيع قصائدي في سوقك المتغطرس, أنا مهرة عربية وبجيدها البيداء ترجو المنتهي, وأنت لست بفارسي) الملاحظ هنا علي قدر عدم تغريب العبارات وحذف المتكرر وانها تلقي بظلال علي قصيدة شهيرة لنزار كما لو انها تعارض نظمه وتخالف وتعدل عليه في مضمونه الا ان ذلك يختفي في لمح الكلمة لتفرض الشاعرة جوها وموضوعها في غلبة واضحة المعالم تترك اثرا داخل القارئ ووعيا عميقا بالفرق, فرق فيه اصالة وثقافة وثقة في الامكانيات الشعرية التي تحوزها, هكذا تأتي قصائد( تلخيص النساء, الخؤون) في اسلوب لغوي معجمي مرن وهيمنة علي وسائل التعبير( افتح شباك الصيد مقتنصا عذاري, ثيبات. تائهات من رصيف العشق, يقطفن الخطيئة, نقل وفتح, واستبح, كل ارتعاشات دنيئة, صد كل فاتنة بريئة, كل لنزوتك الخبيئة مستباح, كل سواي لوطء غيك دائما ابدا متاح) لا يشك احد, وقد اطلع علي تاريخ الادب والخطاب الشعري, ان جيهان سلام قد استدعت بكثافة ميراثها الحضاري اللغوي بمحاور مستقلة وايقاعات عصرية وكان ذلك من الضروريات التي تظافرت لانجاح شكل ومضمون عام الديوان وكانت الشاعرة علي وعي تام بأن الموضوع سوف يسببب خلطا لدي القارئ بين ذاتها الابداعية والمنتج الفني الشعري الذي ابتدعته فكان ان لعبت علي درجتي الوضوح والغموض فهي بذلك سلطت قدراتها علي الجوهر والمادة الخام للمشاعر الانسانية النقية( طفل عجوز)( هيأتني فهنئت لك) فهناك رغبات داخلية في روعة وحميمية تكون توحدا مع الحبيب الرجل بالشكل الذي يعني الانثي( بل ظل يلجم رغبتي, فبسمتك الانسان كنت هديتي, انت النبي المنتظر, انت الذكر, وانا الانوثة كلها في حضرتك..) ثم يأتي الخط الذي يظهر في كل قصائد الديوان متحملا مشاق الترحال في بيداء القوافي, صانعا حركة للمعاني كما لو كانت اثارا للمرور علي رمال الصحراء( إنني هنا, في مكمن الوطن العصي, في أضلعي نبض الخلود ووشم عشقي للنقاء علي يدي, ويجوس خطوي في البلاد كلها مني إلي, لكن خطوك يا بعيد هناك يسعي للفناء, اغرقت نفسك في بغايا من حثالات النساء) هنا نكتشف سر العنوان الذي كلل هام الديوان انا ونساؤك الخمسون فالشاعرة تطرح كل النساء في موضوعات قصائدها وكان لهن علاقة ما بالحبيب الذي اتاها بعد الاربعين انها لا تستسلم للزمن ولا الضعف الذي في الحب ولا مساحة المناورة الضيقة التي وضعتها الظروف فيها. فهي ان لم تكن الاجمل ولا الاصغر فهي الاذكي والاسمي بمشاعرها والاقدر علي التعبير الجميل النابض بالدفء( ولست عاشقة جهولة, حبوا اتيت الي فضائك, أرتدي نزق الطفولة, فرأيتني حمقاء تبحث عن بطولة).
ثم ان ذلك كان اختيارا تعبر عنه كلمات طفل عجوز( من نسج وجداني ووهم الامنيات, صغت الحبيب ملامحا وهوية, ونفخت من روحي به, اثرته دون الخلائق كلها, ورأيته كل البشر...) ان الصياغة تتعامل مع المشاعر بمنطق التجسيد ومن ثم الترويض لتنزل علي الكلمات رغباتها في المراودة والحكم وتكتشف انها في لحظة قد عبئت كلماتها برموز كثيرة تستدعيها من ذاكرتك فتارة هي رموز دينية وتارة هي من رموز الدينونة ومرة ثالثة هي دنياكم يابشر( فأنا المدللة المنعمة الحياة, المستبدة كالقدر, وأنا الجنان وقد هبطن من السماء, وحملت اثداؤهن ثمار روح الخلد, تجري انهرا......).
هناك اذن في كل لحظة واقع من الحياة المعيشة يقابله واقع مواز وخلفي في تشكيلات متمايزة تعلو بها الشاعرة إلي الايجاب في سحر الفاظها وحلاوة معانيها بل وحتي في فخامة خيالها ذكرتني بقولة المتنبي( وأما خلقها فجميل..؟!) يتضح ذلك في العديد من الصور الشعرية التي حفل بها الديوان( إن كنت تبيع المسك سنين, ولم تلق امرأة يحذيها العطر, فلا تحزن, فهناك جهينة خلف ضلوع الشمس..؟!) هذه الشاعرية التي تصنعها جيهان سلام لاتسلب منطقيتها وتكتل علاقات الوجود التي في دائرة الزمن( فأنا المح أيامك قادمة تسعي, عبر الريف وعبر النجع وعبر البيد, تثمر بالارض شجيرات للحرية لاتتعطن, فأشد لجام هيامي نحوك, نستدعي الفرح ولانحزن..) مع السير مضيا في قلب الديوان يتضح طريق العقل والاشخاص المعنين بكل الخطوط العامة والافعال في تحرك عكسي من العام للخاص ومن المجهول للمبني للمعلوم, اوجد ذلك انطباعات لدي عند اعادة قراءته مرات اخري ان الشاعرة قصدت إلي التلميح في القصائد الاولي فهذا الالهام الشعري مبعثه( شخص بعينه) قد صار المحرك والدافع وهو الطواف والعراف والصوفي والريفي والذي لايخفي نبوءاته ولانساءه الخمسين او التسع وتسعين فكل واحدة منهن تكلتها ونظمتها الشاعرة تعرف نفسها من كلمات القصائد والتي هي في ذات( الانا التي تبدأ بها قصائدها) تساويهم وتفوقهم جميعا وجمعا حتي انها لم تبخل علي التافهات منهن الا تذكرهن فقدرت في النهايات قصائد صغيرة ومقطوعات قصيرة لو شاء الفن لحسبها ضمن قوالب القص الدرامي والومضات.. لكنها في نظري أرقي ولذلك اذكيها شعرا( أنا قدر جاء بلاموعد, يشجب ويندد ويدينك) فلحظة الحضورية لحظة خصبة ومنطقة تتعانق فيها شعيرات الاوردة والشرايين لتكون متعة المستقبل وذاكرته التي تكاد توافق بنعم ذاكرة القراء وتدعوهم للتأمل ومقارنة النتاج الحقيقي للحب والسعادة وتلك مفردات معقدة رغم بساطتها وضرورتها وهو افضل ختام ممكن للديوان بعد ان ابحر في نفوس تسع واربعين امرأة... أتقنوا اللعبة.. الا أنت؟! فلم ندري اكانت الخمسون من اعداد الاجمال والاكمال ام هم حقا وصدقا يتمون هذا العدد ويقصدون هذا الشطط واستدعاء الابحار لايعقل بغير الملاح التائه لكن جيهان سلام تعرف الوجهة والقصد وبوصلتها لاتحيد او تميد, فعاشق الضاد علي شطآن أم الأرض تغريدي, تعذبها شجيراتي, رفيف الضاد اجنحتي, بها أرقي سماواتي.
أنا العمري يالغة علي نهديها أعلنت... مقاطعة لشهواتي؟!
احسبها قالت كفاية من الأنات والصرخات
ومن زوايا النسيان, بعثت الزمان الآتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.