المقصود بالتسعير: هو وضع حد أعلي لسعر السلعة من الحاكم أو نائبه, لا تجوز الزيادة عليه, وقد اختلف الفقهاء في حكمه: فمن العلماء من يري حرمته, وأنه يجب أن يترك الناس يبيعون أموالهم كيف يشاءون, لتتحدد أسعار السلع في الأسواق وفق نظام العرض والطلب, واحتجوا بحديث أبي هريرة أن رجلا جاء فقال: يا رسول الله سعر لنا, فقال: بل أدعو, ثم جاء رجل فقال: يا رسول الله سعر, فقال: بل الله يخفض ويرفع وإني لأرجو أن ألقي الله وليس لأحد عندي مظلمة, وبحديث أنس بن مالك قال: غلا السعر علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم, فقالوا يا رسول الله لو سعرت, فقال: إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر, وإني لأرجو أن ألقي الله عز وجل وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال, فهذا الحديث يدل علي تحريم التسعير مطلقا, سواء كان في المكيل والموزون أم في غيره, ويري المالكية: أنه يصح التسعير في الأشياء المكيلة والموزونة سواء كانت مأكولا أم غير مأكول من المبيعات, لأن المكيل والموزون يرجع فيه إلي المثل, فوجب أن يحمل الناس علي سعر واحد فيه, بخلاف غيره فإنه يرجع فيه إلي القيمة. وهي تختلف فيه, ويري بعض العلماء أنه يصح التسعير في كل المبيعات ماعدا قوت الآدمي. والذي أري رجحانه من هذه المذاهب هو ما ذهب إليه الجمهور, من حرمة التسعير, لما استدلوا به علي مذهبهم, ولأنه من قبيل أكل أموال الناس بالباطل, إذا كانت السلعة قد اشتراها التاجر بأعلي من السعر الجبري, فضلا عن هذا فإن التسعير قد يؤدي إلي احتكار هذه السلع تحينا لارتفاع أسعارها وفقا لنظام العرض والطلب, وقد اعتبر رسول الله صلي الله عليه وسلم التسعير ظلما, والظلم حرام فكان التسعير محرما كذلك, ولكن ترك التجار يبيعون سلعهم بالأسعار التي يحددونها وفق أطماعهم, يفضي إلي ارتفاع أسعار ما يبيعون, فتشتد حاجة الناس إليها, وتضيق ذات أيديهم عن شرائها, للمغالاة في أسعارها من قبل التجار, وذلك حادث الآن بأجلي صوره في مصر, فقد قام كثير من الباعة بالمغالاة في أسعار سلعهم, متعللين في ذلك بعلل شتي يعلم القاصي والداني بطلانها, ولكنه الجشع, والرغبة في الكسب السريع, ولو كان علي حساب حياة المطحونين من فئات المجتمع الكادح, وهذا يقتضي تدخل الدولة في تحديد أسعار ما تشتد حاجة الناس إليه من طعام وشراب ونحوها, ومراقبة الأسواق مراقبة شديدة, حتي لا تحدث مخالفة من أحد في بيع ما حدد ثمنه, رفقا بأحوال الناس, ورحمة بحال غير الواجدين. أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر