سيظل يوم السادس من اكتوبر الذي تحل ذكراه العطرة غدا بإذن الله علامة فارقة في تاريخ مصر بل وفي تاريخ المنطقة العربية بأسرها ورغم مرور ثلاثة وأربعين عاما علي أحداث هذا اليوم الخالد فان عبقه وأريجه العطر سيبقي أبد الدهر يملأ أجواء المحروسة وستظل أحداثه يرويها التاريخ وتتناقلها الألسن ويحكيها الآباء للأبناء كملحمة للعطاء والغذاء والتضحية بالروح والمال لتبقي مصر مرفوعة الرأس عالية القامة مهيبة الجانب مؤكدة أنها قد تمرض ولكنها أبدا لن تموت وانها الحصن الحصين لأمتها العربية الحامية لذمارها والمدافعة عن بقائها وكيانها ولنا علي مر التاريخ أمثلة وأدلة ألم تكن مصر هي التي هزمت جحافل الصليبيين وطردتهم إلي ديارهم الم تكن مصر هي التي حطمت جيوش المغول الذين امتلكوا بغداد والشام وسحقتهم في عين جالوت بل ألم يكن أحمس هذا الذي لقن الهكسوس درس الهزيمة وأباد فلولهم وجيوشهم هذا هو قدر مصر وهذا هو تاريخها المشرف عبر العصور والقرون ولقد جاء السادس من اكتوبر سنة1973 ليكون خير دليل علي قدرة شعب مصر علي اجتياز المستحيل وتحقيق المعجزة بعد أن قال الجميع إن مصر ستظل أسيرة العدوان الإسرائيلي علي مدي نصف قرن علي الأقل وانه لن تقوم لها قائمة الا بعد عدة عقود من السنين. كان اليوم يوم سبت والناس صيام والابتسامة مفقودة والضحكة باهتة والهم يسيطر علي الوجوه كيف لا والإسرائيليون يسبحون في مياه القناه ويخرجون لنا ألسنتهم متباهين بخطهم الذي قيل إنه يحتاج إلي قنبله ذرية لكي يتحطم الناس في شوارع العاصمة يسيرون كالتائهين يعتصرهم الألم والجميع في وجوم وحزن وفجأة وعلي حين غرة تنفرج الأسارير وترتسم البسمات علي الشفاه وتعود الفرحة تكسو الوجوه فقد عبر المغاوير قناة السويس ورفعوا أعلام الوطن علي كثبان رمال خط بارليف.. لقد تخطي الأبطال المواقع وارتقوا فوق الحواجز واجتازوا والمستحيل وعبرو الهزيمة انه السر الكامن في هذا الشعب الأبي إنها المعجزة الإلهية التي تمده بالقوة والعزم إنها البطولة في أجل معانيها انها التضحية بالدم والروح من أجل ذرات الرمال في سيناء وها هم المواطنون في كل شبر من أرض مصر يتبارون في العطاء من أجل المعركة الآلاف يتبرعون بالدم الآلاف يجودون بما عندهم دعما للمجهود الحربي لقد أصبح الكل في واحد ولعلي أتذكر الدور الذي لعبه الاعلام في تلك الأيام وفي المقدمة منه الإعلام المسموع فلقد تفوقت الإذاعة المصرية علي نفسها وهي تقدم برامجها وأغانيها وأحاديثها علي اجتلاب النصر واستقبل أبناء الاذاعة الأدباء والشعراء والفنانين من مطربين وملحنين وكتاب الأغنيات وأصبحت استديوهات الاذاعة في حركة دائبه ونشاط مستمر, نام الاذاعيون في ردهات الاذاعة وسهرو الليالي وهم يسجلون أغاني المعركة التي كان لها وقع السحر في نفوس الجنود قال لي ضابط من أقربائي كان في الخطوط الأمامية إن الجنود والضباط عندما كانوا يسمعون أغنيات المعركة كانوا يندفعون كالسيل تجاه مجنزرات العدو يلقون عليها القنابل دون خوف أو وجل كان الجندي يهجم علي الدبابة الاسرائيلية بصاروخ مضاد فيحيلها إلي موات لقد أبلي الجميع بلاء حسنا في تقديم كل ما يشعل الحماس في نفوس المقاتلين ونفوس المواطنين وحقق جيش مصر النصر العظيم الذي تحاكي به قادة الجيوش وخبراء القتال في بلدان العالم ورسمت مصر صورة مضيئة في تاريخها وكتبت صفحة مجيدة في سجل خلودها ليبقي السادس من اكتوبر عنوانا علي قدرة شعب علي تخطي المستحيل.