لا دعم للنقابات والأحزاب بعد اليوم. هذا هو المطلب الديمقراطي الذي يجب علي الثوار وأنصار الديمقراطية التمسك به. اعتادت الدولة المصرية شراء النقابات والأحزاب عبر تقديم دعم مالي موحد القيمة في حالة الأحزاب. ويتفاوت حسب أهمية النقابة وعلو صوت أعضائها- وليس حسب عدد أعضائها- في حالة النقابات. حزب الوفد هو الحزب الوحيد بين الأحزاب السياسية الذي رفض تلقي هذا الدعم, بينما تنافست النقابات علي الحصول علي المزيد منه. دعم النقابات لم يقتصر فقط علي الأموال, وإنما شمل مزايا عينية من نوع الأندية النهرية والبحرية, وأراضي الإسكان والشقق, وحتي الأراضي الزراعية والمقابر. النقابي الشاطر في الزمن الماضي كان ذلك الذي يأتي لأعضاء النقابة بأكبر قدر من المكاسب من ميزانية الدولة الفقيرة, ومن أراضيها التي كانت غنيمة لكل من هب, بما في ذلك للنقابات ونوادي هيئات التدريس وهيئات القضاء والشرطة. الدولة المصرية كانت تقدم هذه المزايا كجزء من اتفاق ضمني يقوم علي المثل الشهير' اطعم الفم تستحي العين'. لكن عطايا الدولة لم تعد كافية لإطعام الفم المفتوح, ولا العين أصبحت تستحي في زمن الثورة, حتي أصبح نظام الدعم هذا مسخرة فارغة من المضمون. ومع كل خطوة نخطوها نحو الديمقراطية يصبح هذا النظام مكروها أكثر فأكثر. فالمطلوب الآن هو تحرير الأحزاب والنقابات وهيئات المجتمع المدني من سيطرة الحكومة, أي حكومة, حتي تكون هذه الهيئات قادرة علي التصرف بمسئولية ونزاهة في نظام سياسي جديد نسعي لبنائه. والمطلوب من أعضاء النقابات والهيئات التحلي بالاستقامة والتمسك بقواعد النزاهة في علاقتهم مع الدولة, فيكفون عن مطالبة الدولة برفع يدها عنهم, بينما هم يستعطفونها حتي تتكرم عليهم ببعض من مواردها. دعم الهيئات الشعبية فيه ظلم لأغلبية المصريين من الفقراء ومن غير أعضاء النقابات, فهؤلاء هم المهمشون الحقيقيون الذين يستحقون من الدولة كل دعم. في دعم النقابات والهيئات ظلم اجتماعي صريح ومظهر من مظاهر التلاعب بموارد الدولة من أجل تحقيق أغراض سياسية فات أوانها وآن لها أن تختفي, وإذا كنا غير قادرين علي الاتفاق علي طريقة لتوصيل الدعم لمستحقيه فيما يخص دعم الغذاء و الوقود, فعلينا أن نبدأ بإلغاء دعم الهيئات والنقابات والأحزاب, فهل هذه مهمة سهلة كما أتصورها, أم أن أصحاب الحناجر والمصالح سيرفعون عقيرتهم دفاعا عن الامتيازات الخاصة حتي لو كانت علي حساب جموع الشعب.