تبدو قضية استعادة الامن في مصر علي رأس الاولويات, لايختلف اثنان علي ذلك, لكن الخلاف علي العقد الاجتماعي الجديد الذي يمكن توقيعه بين الشرطة والمواطنين الأمر الذي يحتاج الي بناء ثقافة جديدة تفارق المفهوم الذي جري ترسيخه عبر سنوات عن صورة رجل الشرطة التي تنافس كتاب السينما والادب علي ترسيخ مافيها من قيم سلبية بدت وكأنها القيم الغالبة, والمؤكد أن الابداع الادبي والسينمائي,يظل أقرب للمرآة العاكسة لواقع اجتماعي وسياسي, كشفت عن خروج أفراد من جهاز الأمن عن الدور المنوط بهم, في محاولة للحاق بالركب السياسي وخدمة النظام. والسؤال هل يمكن تصحيح الصورة القديمة قبل ان نتأمل رتوشها؟ في البداية أكد الناقد مصطفي بيومي أن صورة الشرطة في الادب المصري كانت متشعبة لأن كل كاتب له رؤيته الخاصة منهم يوسف ادريس, صنع الله ابراهيم, بهاء طاهر, فتحي غانم, ومن هذه الاعمال التي اظهرت علاقتهم بالمثقفين والقوة الاجتماعية المختلفة قصة العسكري الاسود ليوسف ادريس تدور احداثها حول التعذيب السياسي في عهد السعديين, بعد تغيير النظام كتب قصة الرجل والنملة عن تعذيب السياسيين وقهرهم. ويقول بيومي بالرغم من هذا القهر كتب يوسف ادريس رواية جمهورية فرحات التي تدور حول رقيب أول يصنع مدينة فاضلة في وردية الليل يحكيها في شكل حلم يقظة طويل, وأيضا من النماذج التي قدمت نموذجين لضابط الشرطة عبد الرحمن الشرقاوي, لكن الكاتب صنع الله ابراهيم كتب بشكل استثنائي عن عالم السجن في رواية شرف التي اكدت أن المجتمع داخل السجن هو صورة مصغرة للعالم خارجه يمارس فيه كل انواع الفساد والقهر, وكتب بهاء طاهر رواية شرق النخيل وقدم صورة الضابط الشريف الوطني في خالتي صفية والدير. ويوضح بيومي ان الشرطة أو جهاز أمن الدولة بينفذ سياسة ولايبتكرها وهذا ما اكده نجيب محفوظ في اعماله,لانها انعكاس للنظام السائد, لكن ينفرد فتحي غانم بروايته حكاية توالتي تدور احداثها حول اغتيال المناضل شهدي عطية ويقدم فيها شخصية الضابط السادي الذي اتسم بالشذوذ الذي يخدم النظام السياسي, هؤلاء الكتاب يقدمون العلاقة بين الجهاز الامني والمجتمع بأشكال مختلفه, لكن يظل أفضل من قدم شخصية الضابط الإنسان هو نجيب محفوظ في أهل القمة الذي تحول الي فيلم بنفس الاسم. وحسب بيومي فان90% من الإبداع المصري كتب بعد ثورة يوليو, وعندما نقرأ هذا الابداع نجد ان ماكتب قبل ثورة يوليو كان ضابط الأمن مدنيا, لكن بعدها كتب الأدب في ظل دولة بوليسية قمعية والمشترك بين فترة الرؤساء الثلاثة لمصر هو ان الحكم كان في سيطرة جهاز أمن الدولة والدليل علي ذلك فيلم زوجة رجل مهم عندما قال الفنان احمد زكي الذي يقوم بدور ضابط امن الدولة احنا اللي حاكمين الدولةوقدم المخرج عاطف الطيب في فيلم الهروب نموذجين للضباط هو الضابط الملتزم عبد العزيز مخيون, والضابط الفاسد الذي قام بدوره محمد وفيق هذا بخلاف نوع اخر من الضباط علي الهامش ولا ينفذ سوي مايملي عليه. ولم تخل السينما من الاعمال التي قدمت صور رجل الامن منها يوميات نائب في الارياف توفيق الحكيم فيلم الزوجة الثانية والتي توضح ان اشكال الإضطهاد قبل ثورة يوليو كان اضطهادا اجتماعيا واقتصاديا, ولكن بعد ثورة يوليو تحول الي اضطهاد سياسي مثل فيلم الكرنك واحنا بتوع الأتوبيس وفيلم البريء الذي كان بمثابة النبوءة من عاطف الطيب عندما عرض قبل إضراب الامن المركزي بشهور, فالادب والسينما لم يقصروا في التناول ولكن لابد من قراءة متوازنة, المبدع دوره ان يدق جرس الإنذار والبطولة الحقيقية للشعب وحركة الشارع, والذي حول الشرطة لجهاز قمع سياسي واجتماعي يطول الجميع بعد ثورة يوليو هو كارثة الزعيم الملهم, مما يجعل اي شرطي بعد ان يتخلي عن السلطة يصبح شرسا لأنه اصيب بمرض السلطة المزمن وصعب التخلص منه. ومن جانبه قال الكاتب سعيد الكفراوي بسبب وجود رقابة طوال الوقت منذ60 عاما الماضية كانت صورة الشرطي او العسكري صورة غير حقيقية كان بها قدر من الموالاة, باستثناءات, ولان الفترة كانت فترة حكم عسكر, كان الضابط يقدم كرمز للعدالة او جزء أساسي في الدفاع عن أحلام الفقراء, هذا يتضح عند مراجعة الأفلام التي أخذت عن أعمال أدبية مثل رد قلبيليوسف السباعيو الله معنا في بداية ثورة يوليو, طوال الوقت كان يمثل الرجل العسكري ايا كان موقعه صورة ايجابية, باستثناءات مثل نجيب محفوظ في بداية ونهاية وعند محمد خان في فيلم زوجة رجل مهم وايضا احسان عبد القدوس ويوسف السباعي في بعض اعمالهما. لكن يعود الكفراوي ليؤكد أنه بسبب الرقابة الموجودة في الحقبة الناصرية والساداتية والاخيرة لمبارك, تجنبت كثير من الاعمال الأدبية التعبير الحقيقي عن رجال الامن, وفي ظل هذا الواقع الغامض والملتبس اخترقت بعض الكتب هذا العالم منها يوميات ضباط في الارياف لحمدي البطران الصادر عن دار الهلال الذي استطاع الغوص في بنية جهاز القمع, لكن في العموم كانت الشرطة علي هامش الادب بسبب سيطرة الرقابة وهذه الأجهزة علي الإبداع, حتي حرب اكتوبر لم يكتب عنها كما يجب حتي الآن, لكن اعتقد ان الفترة القادمة بعد ماشهدته البلاد من احداث سيتغير الامر ويصبح أكثر جذرية لحقبة تجاوزت فيها سلطة العسكري كل الحدود.ولايمكن الحديث عن السينما دون الرجوع لمخرج من اهم من قدموا سينما غير تجارية رسمت صورة اقرب مايكون للواقع, وهو المخرج الكبير داوود عبد السيد الذي يشير الي أن دور الشرطة في المجتمع يختلف باختلاف وضع الامن نفسه, واحيانا يقدم بشيء مبالغ فيه مثل الافلام في الخمسينيات والاربعينيات فتقدم دور رجل الامن الذي يحترم الشعب, لكن عندما اصبحت الشرطة في خدمة الباطل انقسمت الافلام منها من يقدم الصورة الحقيقية بمقدار ماتتيح به الرقابة, والاخري لاتقدم الصورة الحقيقية وهي الافلام التجارية. ويقول صاحب مواطن ومخبر وحرامي ان الشرطة السياسية أو امن الدولة دائما تقدم بشكل نقدي لانها مرفوضة في الضمير الوطني لسعيها دائما وراء المناضلين ضد الفساد أو الاحتلال, لم يكن هناك صراع مع الشرطة من قبل لانها لم تخرج عن دورها, لكن عندما اصبح لها دور سياسي وغلبت عليه المهمة السياسية اصبح هناك تناول اخر مثل فيلم غروب وشروق ويؤكد داوود أن للشرطة دورا يحترمه المجتمع عندما تتخلي عنه لصالح النظام السياسي بالتالي من الطبيعي أن تكون هناك رؤية اخري للتعامل معها, والفترة الاخيرة هي الأسوأ, فتجاوزات الشرطة زادت جدا, ودورهم في المجتمع لم يقوموا به بشكل صحيح, فلم يبذلوا جهدا في المحافظة علي الامن, كما أن هناك تراثا من التعذيب والقهر تناولته السينما مثل فيلم الكرنك وبسبب هذا التراث حمل المجتمع الشرطة هذا التراث دون النظر إن كان هذا التراث تابعا لهم او لجهة اخري. في كتابها مباني الفوضي كشفت باحثة الانثروبولوجيا فيروز كراوية كيف تمت صياغة دور الأجهزة الأمنية في ظل حكم سلطوي بني علي تهميش دور المحكومين وتأكيد صورة المواطن الثانوي في مقابل نظام حاكم يهيمن علي كل آفاق الحياة السياسية والإجتماعية لمواطنيه. حسب كراوية لعب جهاز الشرطة بالإضافة لدوره في اختزال دور الدولة في الحياة العامة في القمع والمصادرة علي جميع الحقوق الأساسية إلا أن جهاز الشرطة ايضا كان وجه الدولة الذي يلعب دور الوسيط عبر عدد لا محدود من البلطجية والعناصر الفاسدة التي تم تعزيز دورها بشكل هائل بالتعاون مع الأجهزة الأمنية لتكون يد الدولة الضاربة في الأحياء والمحافظات منتجة العديد من الأنظمة الإرتجالية في تسيير الحياة اليومية للمواطنين بمزيد من العنف والبلطجة والذي يخدم صورة الفوضي التي أراد النظام أن يشيعها في الخطاب العام لتظل مبررا لبقائه ودفاعه عن مصالح الطبقات العليا والوسطي المذعورة من فوضي يحدثها النظام متعمدا بيد جهاز الشرطة. ومن وجهة نظر مختلفة تحدث الكاتب ورجل الشرطة السابق حمدي البطران صاحب رواية يوميات ضابط في الأرياف عن أن صورة رجل الشرطة في الاعمال الإبداعية نمطية معروفة هو رجل متجهم ومتعال, والمخبر القاسي ضخم الجثة, وهذه الصورة لم تتغير في الادب والسينما علي مدار تاريخها ولكنها قد تتغير في الأيام القادمة, هذه الصورة بعيدة بالطبع عما تتناوله الروايات البوليسية, لكن بسبب عملي فانا شاهدتهم عن قرب ورأيت مالايراه الاخرون, ففي مقابل الصورة التي رسبت في المخيلة العامة, هناك صور اخري انسانية, فهو مواطن عادي يعاني مثل باقي الشعب, كما ان الدولة لاتعاملهم بشكل انساني, وهذا ينعكس علي نفسيه رجل الشرطة في تعامله مع الناس. ويؤكد البطران ان ماجري نتاج تشوهات المجتمع, لان علي مدار السنين الماضية زادت تشوهات المجتمع نفسة ورجل الأمن هو جزء منه, ويجب ان نفرق هنا بين ضابط الشرطة, ورجل امن الدولة أو العاملين في الأمن السياسي الذي يتعامل مع الفرد علي انه معلومة أو مصدر لها, وتصبح الناس بالنسبة لهم تصنيفات مع او ضد النظام او انه سيؤثر عليه بالسلب وهذا لم يغفله الادب.