في مناسبة احتفالاتنا بعيد الإذاعة المصرية الثاني والثمانين والذي مر علينا في الحادي والثلاثين من مايو الماضي سعدت باستضافتي في برنامج زيارة لمكتبة فلان الذي تقدمه الرائدة الاذاعية نادية صالح والبرنامج كما هو معروف يتخصص في تقديم الأداء والعلماء والمثقفين وما تحويه مكتباتهم من كتب وينقل نبذا مما تحويه هذه الكتب مع تنويعات أدبية وفكرية لصاحب المكتبة وإطلالات علي شخصيته تقربه للمستمع وتعرفه به فهو همزة وصل تربط ما بين الادباء والعلماء والمثقفين, وهو بمثابة حافز يدعو المستمع إلي التزود بالمعرفة واقتناء الكتب من أجل التزود بثقافة عامة هي الزاد الذي يغذي الذهن ويسعد القلب, ويقوي الملكات ويمهد الطريق إلي حياة أجمل وأفضل تسهم وتساعد في بناء الوطن علي اسس راسخة من التنوير والإبداع, وعندما قلت لناديه إن مكتبتي ليس بها من الكتب ما يجعلها أهلا لأن تقدم عنها حلقة من برنامجها, قالت إن الحلقة ستتحدث عن الاذاعة المصرية بمناسبة عيدها وأنني كما قالت تعتبرني مكتبه تحوي الكثير مما يمكن أن يقال عن الاذاعة وتاريخها ونجومها وبرامجها, شكرت لناديه حسن ظنها فكانت حلقة البرنامج التي أذيعت يوم31 مايو الماضي والتي احتوت علي ذكريات وحكايات إذاعية يمتد عمرها إلي أكثر من ستين عاما أمضيتها ما بين4 شارع الشريفين في وسط العاصمة, ومبني ماسبيرو المطل علي نيل المحروسة, وزيارة لمكتبة فلان برنامج إذاعي كل ما طال العمر ومضت به الأيام والسنون ازداد تألقا وتوهجا, فهو من البرامج التي يحسب المتلقي عندما يستمع اليه أن هناك أصالة تغلفه وأنفاسا من زمن إذاعي جميل تنبعث منه, ومعرفة تامة بالأصول التي يجب أن تراعي عند تقديم برنامج حواري تقارب مدته ساعة من الزمن, ذلك أنه إذا لم يكن الحوار شائقا ومحاوره وثناياه مفيدة وممتعة مع إحساس من المتلقي بأنه حتما سيفاجأ بأسئلة وحوارات تحقق المزيد من المتعة, فان أقرب شيء للمتلقي هو أن تمتد يده ليدير مؤشر الراديو إلي إذاعة أخري أو إلي فضائية من الفضائيات, ثم إنه إذا كان برنامج زيارة لمكتبة فلان لا يزال يتميز بنضرة الشباب رغم أنه صافح آذان المستمعين منذ ثلاثين عاما أو يزيد فإن من بين الأسرار التي تحقق له هذه النضارة ما يكمن في قدرة واقتداء صاحبته ومقدمته الإذاعية الرائدة نادية صالح, ذلك أن البرامج الحوارية تعتمد أولا وقبل كل شيء في حيويتها ونجاحها علي المحاور ومدي استيعابة لموضوع الحوار وتفهمه لزواياه ومناحيه فقد يكون الموضوع الذي يدور حوله الحوار موضوعا ساخنا وابن ساعته ولكن عدم قدرة المحاور علي تفهم الموضوع والإلمام بتفاصيله ودراسة كل صغيرة وكبيرة تتعلق به بالإضافة إلي ضآلة الاسئلة وانعدام الحيوية كل ذلك يحيل الموضوع الساخن والحيوي إلي شيء باهت. وبالنسبة لمقدمة البرامج فإنها تتميز بصفات المحاور الذي يتصف بالتميز كما أنني كمستمع أحس بأنها قريبة من المتلقين بحكم ما يتميز به صوتها من ألفة, وكأن هناك رباطا من المودة يربط بينها وبينهم, ثم إنها أي صاحبة البرنامج تقدم في برنامجها مادة تعطي للمستمع زادا ثقافيا يثري العقل ويثير الوجدان, ثم إنها في حوارها مع ضيوفها تعطي إحساسا لهم بأنهم ضيوف مرغوبة استطافتهم وأن الضيف منهم صاحب فكر وعلم ومعرفة, وذلك من خلال قدرتها علي استخلاص هذا الفكر وهذه المعرفة لتقدمه للمستمع في حوار بعيد عن التفلسف وادعاء النجومية. إن نادية صالح نموذج لجيل إذاعي قدم عبر الأثير روائع الإذاعة المصرية وهي روائع لا تغيب عن ذهن المتلقي مهما طال بها الزمن. إنه جيل تمكن من لغة الميكروفون التي تتمثل في الحضور والتوقد الذهني وتخير الموضوعات التي تطرح عبر الأثير, ولذلك اختيار الضيوف مع الابتعاد عن التظارف ورفع الكلفة والتذاكي وغير ذلك مما نلمحه في مقدمي برامج هذه الأيام ولذلك ولهذه الأسباب يظل برنامج زيارة لمكتبة فلان متوهجا مهما طال عليه الزمن.