عن موسي عليه السلام قال تعالي:( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتي يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير(23) فسقي لهما ثم تولي إلي الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير(24) فجاءته إحداهما تمشي علي استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين(25) قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استئجرت القوي الأمين(26) قال إني أريد أن أنكحك إحدي ابنتي هاتين علي أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين(27) قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله علي ما نقول وكيل(28) فلما قضي موسي الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون(29) فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسي إني أنا الله رب العالمين(30) وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولي ولم يعقب يا موسي أقبل ولا تخف إنك من الآمنين(31) اسلك يدك فيحبيك تخرج بيضاء من غيرسوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلي فرعون وملإه إنهم كانوا قوما فاسقين(32)) القصص. بنتا شعيب( ومنهما) امرأة موسي عليه السلام: يقول تعالي في سورة القصص أنه لما تمالأ عليه فرعون ودولته من أمي. ويقول الإمام ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية: إن موسي خرج من مصر وحده ولم يألف ذلك من قبله, بل كان في رفاهية ونعمة ورياسة( فخرج منها يترقب) أي يلتفت( قال رب نجني من القوم الظالمين) أي من فرعون وملئه, فذكروا أن الله سبحانه وتعالي بعث إليه ملكا فأرشده إلي الطريق( ولما توجه تلقاء مدين) أي أخذ طريقا سالكا فرح بذلك:( قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل) أي الطريق الأقوم: ففعل الله به ذلك وهداه إلي الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة فجعله هاديا مهديا, ( ولما ورد ماء مدين) أي لما وصل إلي مدين وورد ماءها, وكان لها بئر يرده رعاء الشاة( ووجد عليه أمة من الناس يسقون) أي جماعة يسقون( ووجد من دونهم امرأتين تذودان) أي تكفكفان غنمهما أن ترد مع أولئك الرعاء لئلا يؤذيا. فلما رآهما موسي عليه السلام رق لهما ورحمهما( قال ما خطبكما) ؟ أي: ما خبركما؟ لا تردان مع هؤلاء؟( قالتا لا نسقي حتي يصدر الرعاء) أي إلا يحصل لنا سقي إلا بعد فراغ هؤلاء, وأبونا شيخ كبير) أي فهذا الحال الملجئ, لنا إلي ما تري, قال تعالي( فسقي لهما).. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن موسي عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون, قال: فلما فرغوا أعادوا الصخرة علي البئر ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال, فإذا هو بامرأتين تذودان قال: ما خطبكما فحدثتاه فأتي الحجر فرفعه, ثم لم يستق إلا ذنوبا واحدا حتي رويت الغنم( أخرجه ابن أبي شيبة واسناده صحيح). وقوله تعالي( ثم تولي إلي الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) قال ابن عباس: سار موسي من مصر إلي مدين ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر, وكان حافيا, فلما وصل إلي مدين حتي سقطت نعل قدميه, وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه, وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع, وإن خضرة البقل لتري من داخل جوفه وإنه لمحتاج إلي شق تمرة, وقوله: إلي الظل) جلس تحت شجرة, قال السدي: كانت شجرة من شجر السمر, وقال عطاء: لما قال موسي( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) أسمع المرأة فلما رجعت المرأتان سريعا بالغنم إلي أبيهما أنكر حالهما بسبب مجيئهما سريعا, فسألهما عن خبرهما فقصتا عليه ما فعل موسي عليه السلام, فبعث إحداهما إليه لتدعوه إلي أبيها, قال الله تعالي:( فجاءته إحداهما تمشي علي استحياء) أي مشي الحرائر, جاءت مستترة بكم درعها قال عمر رضي الله عنه( تمشي علي استحياء) قائلة بثوبها علي وجهها ليست بسلفع من النساء ولاجة خراجة( قال ابن كثير: أخرجه ابن ابي حاتم واسناده صحيح. ومعني السلفع: الجريئة من النساء السليطة الجسور كما أفاده الجوهري). (قالت: أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) وهذا تأدب في العبارة لم تطلبه طلبا مطلقا لئلا يوهم ريبة( فلما جاءه وقص عليه القصص) أي ذكر له ما كان من أمره قال( نجوت من القوم الظالمين) وقد ذكر المفسرون أنه كان شعيب النبي عليه السلام, وقيل ابن أخيه, وقد عرض شعيب عليه أن يزوجه إحدي بناته( الصغري) مقابل ثماني حجج أو عشر فأتمها, ثم حمل أهله للعودة إلي مصر ولاشتياقه لزيارة أهله وبلده وفي ليلة باردة ممطرة ذهب إلي جانب الطور حيث شاهد نارا, فقابل كلام الله فيه حيث حمله الرسالة إلي فرعون لهدايته وملئه.