في ركن الغرفة تجلس سامية شاحبة مرهقة, تغمض عينيها وتسند رأسها علي الجدار البارد وتهرب إلي ذكرياتها, تهرب من واقعها المؤلم, ترملت وهي شابة فأغلقت علي نفسها الباب, وكرست حياتها لتربية4 بنات تركهن الزوج أمانة في عنقها, لم يترك لها شيئا إلا القليل لم يكن موظفا فلم تحصل علي معاش منه, عوضها عن ذلك معاش كانت تأخذه عن والدها قبل أن يتوقف صرفه في مايو2015, كان هذا المعاش يكفيها وبناتها ويحفظ كرامتهن ويلبي حاجتهن ويلفهن بالستر, كانت راضية بقدرها, مؤمنة بأنها تؤدي رسالة تجاه بناتها الصغيرات, وهو ما ساعدها علي تحمل الوحدة وفراق الزوج. تتذكر يوم أن عرضت عليها أخت زوجها أن تساعدها في العمل, أخبرتها أنها سوف تفتح محل ملابس, وطلبت منها أن' تقف معها كل يوم ساعتين', كان العرض مغريا, ما المانع؟ لديها فائض من الوقت, وأي دخل تحصل عليه من عملها سوف يوسع عليها وعلي البنات وهن في أمس الحاجة إلي كل جنيه, وافقت علي الفور وبدأت العمل. يوم أخبرتها أخت زوجها أنها سوف' تؤمن عليها' لم تمانع, التأمين يعني معاشا بعد أن تصل لسن الستين, أو لبناتها بعد عمر طويل, لم تسأل سامية أحدا ولم تستشر خبيرا, لم تكن تعرف أن التأمين عليها كموظفة يعني قطع المعاش الذي تحصل عليه والذي تعتمد عليه كليا, خاصة أن راتبها من العمل كان زهيدا, وقد كان وتم التأمين وقطع المعاش. عندما ذهبت سامية لتصرف المعاش وعلمت بالخبر تزلزلت الأرض تحت أقدامها ولم تعرف ماذا تفعل, أخذت تجري هنا وهناك بين مكاتب الموظفين في التأمينات تسأل: ما الحل؟, هذا ينهرها, وهذا يوبخها, وهذا يتجاهلها ويرد عليها بابتسامة ساخرة شامتة, حتي عطفت عليها موظفة وأخبرتها بالحل السحري: استقيلي من عملك وأحضري استمارة6 وسوف نعيد لك المعاش. ذهبت سامية إلي ربة عملها, أخت زوجها, وأخبرتها أنها سوف تترك العمل وطلبت منها قبول استقالتها ومنحها استمارة6, لم يكن الأمر سهلا كما توقعت, أخبرتها صاحبة العمل بأنها سوف تقفل المحل وتوقف النشاط, حسنا.. متي؟ انتظري قليلا; الإجراءات تأخذ وقتا, وانتظرت سامية وانتظرت, والوقت يمر, الأسابيع وبعدها الشهور ولا شيء يحدث, كلما كلمتها تتهرب منها, ولا تعطيها ردا شافيا. بعد شهور طويلة علمت سامية أن صاحبة العمل, رغم أنها أقفلت المحل, إلا أنها لم تغلق السجل الضريبي, ولم توقف النشاط رسميا, لأنها مدينة للتأمينات بمبلغ وصل إلي نحو37 ألف جنيه, ولا ترغب في تسديد هذا المبلغ, ولا تري أهمية لذلك فلا ضرر يقع عليها, والضرر كله واقع علي سامية, فقد أصبحت بلا مورد رزق, فقد تم قطع المعاش, وتركت العمل الذي تسبب في ذلك. تستغيث سامية حسين محمود شاهين بالدكتورة غادة والي وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية أن تجد حلا لمشكلتها وأن توجه بإعادة صرف معاشها عن والدها, فهو مصدر دخلها الوحيد هي وبناتها اليتيمات.