قررت منذ بداية هذا الأسبوع أن أتجول في شوارع المحروسة حتي أري وجه مصر الجديد بعد25 يناير, وتجولت في شوارع قصر العيني وميدان التحرير وعبد المنعم رياض وأمام مبني التليفزيون وكوبري أكتوبر والدقي والعجوزة حتي أول إمبابة.. وياليتني ما فعلت. كنت أتوقع أن أري مصر بعد25 يناير جميلة.. متفتحة.. مستبشرة بغد جديد مليء بالأمل.. وشعبها الطيب مقبل علي العمل بنهم حتي يعوض خسائر الثورة التي وصلت حتي الآن إلي37 مليار جنيه خلال شهري فبراير ومارس2011 فقط.. حسبما جاء في الملتقي الثقافي لمعهد التخطيط القومي.. علاوة علي100 مليار جنيه من الأموال التي نهبها النظام السابق وأعوانه.. لكنني وجدت شيئا آخر تماما.. وجدت مظاهرات أمام مجلس الوزراء تطالب بالكشف عن مصير كاميليا شحاتة التي اختفت عقب إشهار إسلامها.. ومظاهرة أخري تريد مقابلة رئيس مجلس الوزراء لبحث موضوع كنيسة قرية أطفيح رغم وعد السيد المشير حسين طنطاوي ببناء الكنيسة خلال شهرين.. ومظاهرة ثالثة للعاملين بوزارة التنمية الإدارية التي ألغيت في التشكيل الوزاري الأخير للمطالبة بعودتها.. ومظاهرة رابعة للعاطلين للمطالبة بالعمل.. ومظاهرة نسائية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين.. وأمام نقابة الصحفيين مظاهرة نسائية للمطالبة بتمثيل أكبر للنساء في الوزارة مع ضرورة أن تمثل النساء في أي لجان يتم تشكيلها بما لا يقل عن30% من عضويتها.. ثم وجدت مظاهرة أخري أمام التليفزيون تطالب أيضا بالكشف عن مكان كاميليا شحاتة.. وانتقلت هذه المظاهرة في اليوم التالي لتكون في شارع قصر العيني بالقرب من مجلس الشعب. ووصلت إلي ميدان التحرير فوجدت في دائرة منتصف الميدان سوقا أشبه بسوق عكاظ.. مجموعات من الخيام مختلفة الألوان والأشكال.. لا نراها إلا في أيام ما قبل الحضارة.. ومنها ما هو مصنوع من الستائر.. وأناسا نائمين وجالسين.. وباعة جائلين.. وأماكن خشبية أسوأ من العشوائيات.. ولافتات وشعارات عن المحامين( جميع فئات المجتمع).. وذهبت إلي أول إمبابة فوجدت الطلبة في الشوارع مما أعطاني شعورا بأن التعليم غير موجود.. وتصفحت الجرائد اليومية طوال هذا الأسبوع فوجدت طلبة إحدي الجامعات يريدون تغيير رئيس الجامعة وبعض الأساتذة.. وأهالي ضحايا العبارة السلام98 يريدون تسليم ممدوح إسماعيل.. وحرائق في جميع أو معظم مباني أمن الدولة والاستيلاء علي وثائق ومستندات غاية في الأهمية قد يفشل أي نظام جديد في التعرف علي من تسببوا في إهدار كرامة أهل هذا الوطن.. وإفتاءات بالجملة في معظم الصحف عن الدستور وتعديلات.. ومنهم من يطالب بتغيير الدستور أولا وبقانون للأحزاب.. وبانتخابات رئاسية قبل البرلمانية أو العكس.. ووصل الأمر إلي تملق برامج التليفزيون لشباب الثورة بتغيير اسم ميدان التحرير.. ياسادة هذا الميدان لا يتغير اسمه لمجرد انتفاضة شبابية تجمع خلفها الشعب المصري لإسقاط نظام فاسد.. نجحت هذه الانتفاضة.. لكن ميدان التحرير رمز لتحرير مصر كلها من استعمار بريطاني وملك استولوا علي مصر وخيراتها سبعين عاما متصلة.. والعجب أري في برامج التليفزيون التي تستضيف كل يوم شابا أو اثنين من شباب ثورة25 يناير.. وحتي الآن لم أر أو أشاهد خمسة من شباب25 يناير يظهرون باستمرار في جميع البرامج.. فكل يوم نري شابا أو اثنين مختلفين عما قبلهما.. أين شباب الثورة الحقيقيون؟ والسؤال الآن للمطالب الفئوية وأصحابها: هل تعتقدون أن الفساد الذي دام ثلاثين عاما وطال جميع مرافق ووزارات وهيئات ومصالح الدولة كلها يمكن أن تحل مشكلاته في يومين أو في وعود من الصعب تحقيقها إلا بعد الدراسة المتأنية من الحكومة التي وافق عليها الشعب؟ المجلس الأعلي للقوات المسلحة كان الله في عونه.. فهو مطالب بإزالة التعديات علي الأراضي والممتلكات.. وملاحقة المساجين والهاربين ومسجلي الخطر.. وتأمين مباني أمن الدولة في جميع بقاع مصر.. وحماية المظاهرات والاعتصامات.. ومباشرة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية الجديدة.. والاشتراك في سيولة المرور في بعض شوارع مصر.. والقضاء علي الفتنة الطائفية التي بدأت شرارتها في التوهج.. هذا بخلاف المطالب التي لا تعد ولا تحصي من شباب الثورة.. والمطالب الفئوية الكثيرة.. هذا علاوة علي واجبها الأساسي ألا وهو حماية حدود الدولة الملتهبة شرقا وغربا وجنوبا.. كيف يتسني تنفيذ كل هذا في دولة ليس بها رئيس جمهورية.. وليس بها مجلس شعب للتشريع.. وليس بها ضباط وأفراد شرطة لحفظ النظام والأمن!! بل ليس بها شعب واع يعمل من أجل سرعة الإصلاح والنهوض بالدولة. إنني أطالب القوات المسلحة وعقلاء الشعب المصري بأن يطبق القانون بقوة علي كل من تسول له نفسه أن يعبث بمقدرات هذا الشعب.. سواء من وجهة نظر الفتنة الطائفية أو الإضرابات أو الاعتصامات أو الامتناع عن العمل أو التعليم.. حتي تعود مصرنا الحبيبة أفضل مما كانت. وأخيرا لا أستطيع إلا أن أقول: لك الله يام مصر. الخبير الاستراتيجي