كثيرون منا تغرهم الدنيا, ولا يتذكرون الآخرة,فتراهم يعملون عمل أهل الدنيا,يتكالبون علي كسب المال,والعمل من أجل تحصيل السلطة والسلطان,وفي سبيل ذلك يفعلون كل شيء حتي ولو كان ضد الدين وكل الأعراف, لأنهم نسوا الله, وغلبت عنهم تقواه, ومن لا يتقي الله يفعل أي شيء حتي ولو كان علي حساب أقرب الناس إليه,وكم من جريمة في حق الناس,ارتكبها الناس,وارتكبها الحكام والمسئولون,لأنهم عميت قلوبهم عن تقوي الله سبحانه وتعالي. وعن معني التقوي قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:(التقوي هي الخوف من الجليل, والعمل بالتنزيل, والقناعة بالقليل, والاستعداد ليوم الرحيل). وتقوي الله هي أن يطاع فلا يعصي ويذكر فلا ينسي وأن يشكر فلا يكفر,وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات,ومعني ذكره فلا ينسي ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها. وقال طلق بن حبيب رحمه الله: التقوي أن تعمل بطاعة الله, علي نور من الله, ترجو ثواب الله, وأن تترك معصية الله, وعلي نور من الله تخاف عقاب الله. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: تمام التقوي أن يتقي الله العبد حتي يتقيه من مثقال ذرة,وحتي يترك بعض ما يري أنه حلال خشية أن يكون حراما, فيكون حجابا بينه وبين الحرام,فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه فقال:( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره(7)ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).. فلا تحقرن شيئا من الخير أن تفعله ولا شيئا من الشر أن تتقيه. وقال الثوري رحمه الله: إنما سموا متقين لأنهم اتقوا ما لا يتقي وقال ابن عباس رضي الله عنه: المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدي, ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به. وقال الحسن رحمه الله: المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما اقترض الله عليهم. وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ليس تقوي الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك, ولكن تقوي الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله, فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلي خير. وقال ميمون بن مهران رحمه الله: المتقي أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه. وقد يغلب استعمال التقوي علي اجتناب المحرمات كما قال أبو هريرة رضي الله عنه, الذي سئل عن التقوي فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم, قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه, قال: ذاك التقوي. وأصل التقوي أن يعلم العبد ما يتق ثم يتقي. وذكر معروف الكرخي عن بكر بن خنيس رحمهما الله قال: كيف يكون متقيا من لا يدري ما يتقي. ثم قال معروف الكرخي: إذا كنت لا تحسن تتقي أكلت الربا, وإذا كنت لا تحسن تتقي لقيتك امرأة ولم تغض بصرك, وإذا كنت لا تحسن تتقي وضعت سيفك علي عاتقك. قال بن رجب رحمه الله: أصل التقوي أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه, فتقوي العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك, وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه.