لا أجد فيما وقع من أحداث في مدينة أبو قرقاص في المنيا تطرفا دينيا, لم أجد فيما حدث مع الست سعاد ثابت تعرية للجسد, نعم يا سادة فبعيدا عن نافخي الكير الذين يصرون علي تصويره كفتنة دينية, فما حدث لا يعبر عن أي رسالة سماوية, لأنه ببساطة بلطجة وانحراف خلقي وانحطاط سلوكي وتطرف فكري لا علاقة له بأي دين. نعم لم يجرد ساقطو الأهلية والإنسانية الست سعاد من ملابسها, بل عروا أنفسهم هم لنعرف حجم ما يعانيه البعض منا من انحلال لم يعد من المنطق السكوت عليه أو التعامل معه بمنطق الجلسات العرفية وأحضان المصالحات الواهية وقبلات الشاشات بين قساوسة الكنيسة ومشايخ الأزهر. نعم يا سادة لقد تعري القبح الساكن في البعض منا نتيجة غياب التعليم المستنير المربي لكيفية قبول الآخر وإحترام اختلافه وطرق الخلاف معه, وتعري الجهل القابع في عقولنا نتيجة استمرار تراجع لغة الإعلام والثقافة المرتقية بالنفوس, وتوحش القبح فينا نتيجة غياب دولة القانون وصوت جاد لتطوير خطاب ديني يحول أداء العبادات من عادة الي سلوك. وهالني أن اسمع عن توجه40 واعظا من الأزهر الي موقع الحادث بينما نحن بحاجة الي40 وكيلا للنيابة و40 قاضيا للبت فيما تناقلته الألسنة من وقائع تتصل بالاعتداء علي حرمات المنازل والمواطنين. وتعجبت من سماع ضغوط لقبول جلسات صلح تتكرر لزاجتها في كل مرة نتعرض فيها لمثل تلك الحوادث متطرفة الفكر في تغييب متعمد للقانون وتكريس مستمر لتطرف الفكر. واستنكرت فعل وقول المسئولين بالمحافظة بأن القصة بسيطة وسيتم حلها ونفيهم حدوث اعتداء علي السيدة المسيحية, لولا بيان الرئاسة الذي اكد فيه الرئيس علي تطبيق القانون واحترام نساء مصر جميعا. وتذكرت تغطيتي لمحاكمة قاتل الصيدلانية المصرية مروة الشربيني اليكس فينز التي بدأت يوم26 اكتوبر2009 بمدينة دريسدن الألمانية, وكيف كان العالم كله هناك بفضائيات من كل بلاد العالم الغربي والشرقي, وملتحين من مسلمي ألمانيا الموصوفين بالتطرف الفكري, أسرة مروة وزوجها ومحامون من ألمانيا ومصر وفرنسا, منظمات ترفع شعار الإسلام تحمل لافتات الدفاع عن حق المسلمة التي قتلها الالماني المسيحي, وخلف كل هذا دول وأياد تحرك واصوات عالية تهدد وتتوعد بالانتقام. ولكني شاهدت يومها قوة الدولة الحاضرة بهيبة قانونها في هيئة القاضية التي حكمت في القضية, لا زلت أذكر اسمها السيدة بيرجيت واجند التي بدأت جلسات المحاكمة بجملة حاسمة وضعت كل طرف في مكانه وعند حدوده, فأعلنت بكل ثبات ان القضية جنائية وليست سياسية أو دينية. وأن المحكمة ستتعامل مع المتهم بنص القانون وأن النطق بالحكم بشكل نهائي سيكون في فبراير2010 بعدد11 جلسة بالتمام والكمال. لدرجة أن ليلة النطق بالحكم وقبل انتهاء الجلسة قبل الأخيرة في السابعة مساء, قدم دفاع المتهم خطاب رسمي من الجيش الروسي الذي خدم فيه المتهم يؤكد أنه يعاني من مرض الفصام وأنه غير مسئول عن أفعاله. خطاب نفي تقرير الطبيب الذي أوردته المحكمة في الجلسات الأولي للكشف علي المتهم وقواه العقلية. توقعنا تأجيل موعد النطق بالحكم في التاسعة من صباح اليوم التالي. إلا أن القاضية الواعية المدركة لدورها وواجبها في اقرار الحق والعدل ونزع الغل, أعلنت أنه رغم تيقن المحكمة من التقرير النفسي الأول, إلا أنه سيتم عرض المتهم غدا صباحا علي طبيب آخر للفصل بين التقريرين وتأجيل النطق بالحكم للرابعة مساء بدلا من التاسعة صباحا. ليجيء الحكم في الرابعة بالحكم المشدد خمسة عشر عاما علي المتهم كأقصي عقوبة تجدد ان ثبت تمسكه بأفكاره الارهابية المتطرفة. وهكذا يا سادة...أثبتت واجند الفاضلة أن دولة القانون فوق الجميع, وأن التطرف ليس له دين يكني بيه سواء كان مسيحيا أو اسلاميا...وان الدولة الحاضرة تطبق القانون علي الجميع دون خوف من إرهاب فكري أو سياسي يرفع راية أي دين. درس نحتاج جميعنا لتعلمه. مواطنين وقضاء ومسئولين في دولة تسعي لحماية مواطنيها ووضعهم في إطار نظام عليهم احترامه والالتزام به. وللحديث بقية...