في ظل فرحة انتصار ثورة الشباب ودخول مصر عصر جديد من الحرية والديمقراطية تعالت الأصوات المطالبة بإعداد مسودة قانون لمحاسبة الوزراء بعد ثبوت ارتكاب عدد من الوزراء السابقين الكثير من جرائم الفساد التي يقوم النائب العام بفحصها حاليا. صحيح أن هناك قانونا صدر لمحاكمة الوزراء عام1958 أثناء الوحدة الوطنية بين مصر وسوريا لكنه لم يبعث للحياة ولم يحاكم وزير واحد به لكن اخيرا تقدم المستقلان جمال زهران وعلاء عبد المنعم بمشروع قانون لمحاكمة الوزراء لكنه لم يفعل ولم ير النور حتي الآن. قانون معطل في البداية يقول علاء عبد المنعم أنه وفقا للقانون الحالي المعطل والصادر سنة1958 أيام الوحدة مع سوريا بسبب أن المحكمة التي تتولي المحاكمة كانت مكونة من6 أعضاء من الإقليم الجنوبي و6 من الشمالي وبالتالي أصبح القانون معطلا وقد تقدم في مجلس الشعب في عام2007 بمشروع بقانون ولم يناقش في اللجان وتم تقديمه في عام2009,2008 ولم يناقش ولكن لم تكن هناك إرادة وقد أحيل لمجلس الشوري وأجل للعدل واهم وبنود مشروع القانون محاكمة الوزراء علي جرائم الاستيلاء علي المال العام وتزوير الانتخابات والتربح ويضيف أن هذا القانون عبارة عن اجراءات وليس عقوبات وهو ينظم كيفية المحاكمة وفقا للمادتين160,159 من الدستور فهو يعتبر تفعيلا للمادتين وبدونه تصبح معطلتين خاصة وأنه ينظم كيفية التحقيق مع الوزير, ويخضع للقانون كل من يؤدون القسم أمام رئيس الجمهورية لممارسة عمله التنفيذي. ويطالب بتفعيل مشروع قانون محاكمة الوزراء ومباشرة الحقوق السياسية ضمن حزمة الإصلاحات التشريعية. مبدأ معطل ويقول الدكتور ثروت عبد العال عميد كلية الحقوق جامعة جنوبالوادي انه منذ صدور الدستور المصري عام1956 أي بعد قيام23 يوليو تضمن النص علي محاكمة الوزراء من حيث المبدأ ولكنه أحال فيما يتعلق بإجراء محاكمتهم إلي التشريع العادي وللأسف لم يصدر هذا التشريع ولذا ظل هذا النص معطلا رغم أن الدساتير اللاحقة علي هذا الدستور وخاصة دستور71 نهج نفس النهج ونص علي محاكمة الوزراء وأحال أيضا إلي القانون المفروض أن يصدر عن مجلس الشعب ولم يصدر هذا القانون حتي تاريخه. ويوضح أن مبدأ محاكمة الوزراء ظل معطلا حيث كان يجري العمل علي إقالة الوزير محاكمته باعتباره مواطنا عاديا وفقا للقوانين العادية وهو ما حدث مع وزير المالية الأسبق حيث جرت محاكمته وفقا للقوانين التي تسري علي جميع المواطنين خاصة وأن المشروع لم يتراءي أكثر من ذلك في إصدار القوانين التي تنظم محاكمتة الوزراء. ويري ثروت ضرورة اخضاع الوزراء بإعتبارهم مكلفين بخدمة عامة لقانون خاص ينظم محاكمتهم عما يرتكبونه من جرائم أثناء توليهم الوزارة علي أن يشتمل علي الضمانات التي تكفل لهم محاكمة عاجلة وأن تنظم هذه المحاكمة وفقا لتشكيل خاص يضم عناصر قضائية وشخصيات عامة قادرة علي تفهم طبيعة الجرائم التي يرتكبونها بالاضافة إلي ضرورة اسناد جهة التحقيق إلي النائب العام. ويشير إلي أن القوانين الحالية لا تحول دون محاكمة الوزراء عن الجرائم المقرونة بالأموال العامة والتي تمس أمن الدولة خاصة وأن ما ظهر من وقائع فساد واضرار بالمال العام وتسهيل الاستيلاء عليه كان من الذين يشغلون مناصب وزارية الأمر الذي يدفعنا إلي سرعة إصدار قانون ينظم محاكمة الوزراء حتي لا يطعن عليه بعدم الدستورية كما أن معيار مساءلة الوزير يقوم علي شدة المسأءلة وعسر الحساب ورغم وجود العديد من النصوص سواء في الدستور أو القوانين العادية التي تحظر علي الوزراء أثناء توليهم الوزارة إجراء أي معاملات مع الوزراء أثناء توليهم الوزارة إجراء أي معاملات مع الدولة إلا أننا رأينا كما كبير من المخالفات لهذه النصوص التي أرتكبها الوزراء في حكومة رجال الأعمال ولعل أقلها جنايات التربح والاضرار بالمال العام وتسهيل الاستيلاء عليه فقد آن الآوان لتفعيل نصوص محاكمة الوزراء. صبغة سياسية ويقول المستشار محمد ماهر أبو العينين نائب رئيس مجلس الدولة إن هذا القانون موجود بدساتير كثيرة لكن المشكلة تكمن في أن محاكمة الوزراء لها صبغة سياسية وليست جنائية أو تأديبية وتكون محاسبتة جنائيا في حالة ارتكابه جريمة ويتم تحريك الدعوي ضده وفقا الاجراءات معينة ينص عليها الدستور أو القانون كما أن النظام السياسي إذا كان يأخذ بفلسفة إبعاد المحاكمات عن الصبغة السياسية فالمحاسبة تكون عن جرائم جنائية أو متعلقة بالمال العام خاصة في ظل عدم تفعيل هذه النصوص الموجودة بمختلف الدساتير. ويقول إن فرنسا بها محكمة المحاسبات الخاصة بالوزراء فهي محكمة ذات صبغة إدارية وتأديبية وتقوم بمحاكمة جميع أو كل من خالف أو قام بارتكاب مخالفة مالية واضحة كشفت عنها تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات كما أن هذه المحكمة بإمكانها محاكمة من قام بارتكاب مخالفات مالية جسيمة حتي لو كان وزيرا وتقوم علي الفور برفع طلب بعزل المسئول سياسيا ومحاكمته جنائيا عن هذه المخالفات وفي الوقت نفسه تقوم بعقاب من هم دون الوزير والمشاركين معه في ارتكاب هذه المخالفات المالية. ويوضح أن الوزير له مسئوليات سياسية أمام البرلمان لكنها تنتهي بمجرد سحب الثقة منه لذا يجب تفعيل نصوص محاكمة الوزراء جنائيا وإداريا عن طريق محكمة المحاسبات ومحكمة خاصة تشكل من كبار رجال القضاء لمحاسبة الوزراء في حالة ارتكاب جريمة من جرائم القانون. ويري المستشار رفعت السيد رئيس محكمة استئناف القاهرة ورئيس نادي قضاة أسيوط إن تمييز فئة من العاملين في الدولة لنظام محاكمة خاص عن جرائم ارتكبوها أمر يرفضه الدستور والقانون فالوزير ما هو إلا موظف عمومي لا يفترق كثيرا عن نائب أو وكيل الوزير أو أي موظف عام وبالتالي يتعين أن يخضع لما يخضع له باقي العاملين في الدولة لأحكام قوانين العقوبات والإجراءات القانونية. ويضيف إن إقرار تشريع خاص لمحاكمة الوزراء دون سواهم بدعة لم تعرفها مصر إلا في عهد الوحدة عندما صدر قانون خاص بمحاكمة الوزراء وكان مشكلا من عدد من أعضاء مجلس الأمة والنواب السوريين وقد سقط هذا القانون. واقعا وعملا بإنقضاء الوحدة بين مصروسوريا وبالتالي يجب ان تعود الامور إلي المجري الطبيعي لها وهو محاكمة الوزراء امام القضاء المدني عن اي اتهامات تنسبا اليهم وان يتولي النائب العام تحريك الدعوي ضد اي من الوزراء الذين يري محاكمتهم جنائيا عما ينسب اليهم من جرائم. ويقول إن المستقر عليه ان الوقاية خيرا من العلاج وبالتالي يجب ان توجد مجموعة من القواعد والنظم والاجراءات التي تسهل العمل ولا تعيقه وفي الوقت نفسه تقوم بالكشف عن اي فساد او خروج عن القواعد بالإضافة إلي اتاحة وسائل الحصول علي المعلومات من الجهات العمومية التي لا تحوي اسرارا تهم الأمن القومي وان تكون أجهزة الرقابة التي تنشأها الدولة مستقلة عن الجهاز التنفيذي حتي لا تكون هناك عوائق امام أجهزة التحري والرقابة في الكشف عن الفساد والفاسدين. ويطالب بضرورة محاكمتهم في حالة ارتكابهم للجرائم الجنائية امام محاكم الجنايات او الجنح وبالنسبة للاخطاء المخالفات والإدارية فيجب محاكمتهم امام محاكم القضاء الإداري. الرقابة والمحاسبة ويقول المستشار حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق ان المتعاوف عليه في النظم الديمقراطية ان جميع الحكام يخضعون لمبدأ الرقابة والمحاسبة والمحاكمة وتطبيقا لذلك فإن رئيس الدولة والوزراء والمحافظين وممن يشغلون مناصبا ادارية وسياسية عليا يجب ان ينطبق عليهم هذا المبدأ بالإضافة إلي أن الأفعال التي تصدر عن هؤلاء في مناصبهم يمكن ان تكون انحرافات تشمل جرائم جنائية اي جرائم ينطبق عليها التعريفات المحددة في قانون العقوبات مثل الرشوة او اهدار المال العام. ويضيف انه يوجد افعال تتمثل في قرارات وسياسات تعارض السياسات العامة للدولة وتمثل استغلالا للمنصب ونفوذه لتحقيق مكاسب خاصة مثل الحصول علي فيلات أو شاليهات او اراضي من وزارة الاسكان بالطريق المباشر مع تقديم خدمات ضئيلة لثمنها ثم المتاجرة بها بهدف تحقيق عدة ملايين من هذا الثمن ورغم حظر الدستور لهذا التصرف باعتباره شراء من الدولة الا ان ذلك يتم التغافل عنه ويقال إنه يتم بالطريقة العادية للمواطنين لكنها في حقيقة الأمر جرائم جنائية يتعين المحاسبة عليها باعتبارها انحرافا عن الالتزام برعاية مصالح الشعب واستغلالا للوظيفة العامة. ويطالب بضرورة وضع قانون خاص لمحاكمة رئيس الدولة او الوزراء لمثل هذا الأفعال وان يكفل هذا القانون تحديد المخالفات والسياسات المنحرفة بعد التحقيق فيها بالاضافة إلي انه يجب ان تشكل المحكمة التي تقوم بمحاكمة رئيس الدولة والوزراء من عناصر سياسية وقضائية حتي يمكن التحقق من الوقائع وتحديد الانحرافات. ومن الآليات الحقيقية لمحاسبة كل فاسد مهما كان موقعة يقول انه يجب ان يتم تحديد جهة التحقيق في هذه الجرائم وان تشكل من ثلاثة اعضاء علي أن يكون اثنان من رجال القضاء بحكم منصبهم مثل نائب رئيس مجلس الدولة ونائب رئيس محكمة النقض والآخر يكون عنصر سياسيا من أحد اعضاء مكتب مجلس الشعب من النواب بالإضافة إلي ضرورة وضع هذه الاحكام الاساسية في نصوص الدستور الجديد مع تحديد موعد لاعداد القانون الخاص بمحاكمة الرئيس والوزراء حتي لا يتم تعطيل اصدار هذه القوانين. فلسفة جديدة يري الدكتور شوقي السيد استاذ القانون اننا في حاجة إلي فلسفة جديدة تتعلق بكيفية محاكمة الوزراء وامام اي جهة, وهنا يخرج تساؤل مهم هل يكون القضاء كاملا ام تتضمن عناصر سياسية إلي جانب القضاء خاصة انه قد نوقشت بالفعل هذه القضية في سنة1980 بمناسبة انشاء مجلس الشوري وعقب التعديلات الدستورية وكانت هناك فكرة أن يختص مجلس الشوري لمحاكمة الوزراء ولكن تم استبعاد هذه الفكرة في الأعمال التحضيرية وقيل ان سبب ذلك هو الحرص علي مستقبل المجلس في الحياة السياسية حتي لا تصارعة التيارات السياسية المختلفة. مبادرات فردية ويضيف ان قانون محاكمة الوزراء لم تتقدم به الحكومة ولكن من خلال مبادرات فردية من قبل النواب وتقوم لجنة الاقتراحات والشكاوي بتقييدهم إلي حين انتهاء الدورة البرلمانية في الوقت التي تجري دراسات مقارنة لاختيار افضل النماذج لمشروعات قوانين لمحاكمة الوزراء بين مختلف الدول للوصول للصيغة المناسبة للمجتمع المصري. ويقول الدكتور شوقي ان القانون الحالي الذي ينص علي انشاء محكمة لمحاكمة الوزراء في الاقليمين المصري والسوري ولم يتم تشكيلها بالطبع نظرا لاستحالة ذلك لانفصال البلدين وهذا يعني ان هناك فراغا تشريعيا في وجود الجهة التي تحاكم الوزراء, وقامت محكمة النقض بحسم هذا الامر في سنة1979 عن طريق هذا الفراغ بان أقرت بان القضاء العادي يختص بمحاكمة الوزراء علي الجرائم التي تقع منهم اثناء العمل باعتبار ان القضاء هو صاحب الولاية العامة في المحاكم والمساءلة لاي مواطن ومن بينهم الوزراء. ويقول إنه بالفعل تم تطبيق ذلك في قضية صفقة طائرات البوينج سنة1979 التي تمت فيها محاكمة الطيران في ذلك الوقت بتهم التربح واهدار المال العام وكذلك قضية القمح الفاسد التي تمت فيها محاكمة وزير الاقتصاد ونائب رئيس الوزراء في ذلك الوقت حيث تمت محاكمة كل منهما امام محكمة النقض لذلك فليس معني وجود فراغ تشريعي ان المحاكمة مرفوعة من الخدمة لان محكمة النقض قامت بسد هذا الفراغ. العلاقة بالسلطة ويري الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان عدم محاسبة الوزراء اثناء فترة عملهم وتوليهم لمناصب يرجع إلي علاقة هؤلاء الوزراء بالسلطة خاصة واننا لم نعتد في مصر علي محاسبة الاشخاص الذين لديهم سلطة او حصانة ويتم ترحيل مشكلاتهم إلي مابعد خروجهم من الوزارة. ويؤكد الشوبكي ان المشكلة تكمن في عدم قدرة النظام السياسي والقانون المصري علي محاسبة من هم في السلطات خاصة وان الانتقادات دائما توجة لوزراء سابقين ورؤساء وزراء سابقين ورؤساء جمهورية سابقين ويتم التعامل معهم بشكل مختلف عما كانوا عليه اثناء وجودهم في السلطة. ويرجع السبب في ذلك إلي ضعف سلطة الأجهزة الرقابية وخوفها من سطوة الوزير وسلطتة وحصانة قائلا: ان الحل يبدأ من تقوية هذه المؤسسات بحيث يصبح هناك رقابة حقيقية لا تخشي اي مواءمة.