بدد قرار منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة( يونسكو) الذي صدر مؤخرا بشأن عروبة وإسلامية المسجد الأقصي المبارك كل سحب الأكاذيب والمزاعم الإسرائيلية التي تراكمت في الوعي العالمي علي مدي عقود بفعل آلة الإعلام الغربية, وبدعم مؤسسات الدبلوماسية البريطانية والأمريكية علي وجه الخصوص, والتي تعمل جاهدة لترسيخها وتلقين العالم بها منذ إنشاء الكيان الصهيوني المسمي إسرائيل. القرار الأممي الذي اتخذته اليونسكو بناء علي اقتراح عربي وضع النقاط فوق الحروف, وكشف حجم التآمر الغربي علي المنطقة العربية, كما كشف تهافت الأساطير والخرافات الإسرائيلية التي ترددها تل أبيب ومؤيدوها بشأن حقوق اليهود التاريخية المزعومة في مدينة القدس العربية المحتلة. اليونسكورفضت رسميا اعتماد مصطلح جبل الهيكل, واعتمدت بدلا منه الاسم العربي الإسلامي لأولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين, ومسري الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم, ونسفت بذلك كل جهود الصهاينة وإدعاءاتهم الباطلة. إسرائيل من جانبها هاجت وماجت, وبدأت هجوما مسعورا علي المنظمة الدولية, واتهمها مجرم الحرب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بالتسرع والسخف والجهل, وقال: لا يوجد مستوي منخفض لم تصل إليه, في إشارة لليونسكو, مشيرا إلي أنها تجاهلت ما وصفه بالعلاقة التاريخية الفريدة من نوعها القائمة بين الديان اليهودية وجبل الهيكل, علي حد زعمه. بينما بعث وزير العلوم الإسرائيلي آفير أوكونيس رسالة رسمية إلي إيرينا بوكوفا, كتب فيها أن القرار الذي يعتبر أنه لا يوجد لليهود ارتباط بجبل الهيكل هو جهل وعدم معرفة بالتاريخ, وأن المنظمة الدولية تبنت بذلك عمليا موقف السلطة الفلسطينية. وقال إيلي بن دهان نائب وزير الأمن الإسرائيليإن أي قرار مهما كان كاذبا يصدر عن اليونسكو المسئولة- بشكل عبثي- عن التعليم, لن يغير التاريخ. قراراليونسكو لم يقف عند حدود إنصاف الفلسطينيين, بإقرار عربية وإسلامية مجمع المسجد الأقصي وما يحيط به من أوقاف إسلامية بما فيها مسجد قبة الصخرة, بل تضمن أيضا فضح الممارسات الإسرائيلية بحق سكان مدينة القدسالمحتلة, ومحاولات تهويدها من خلال زرع قبور يهودية وسط مقابر الفلسطينيين المسلمين في القدسالمحتلة وهو ما أثار ثائرة مجرم الحرب نتنياهو, الذي وصف القرار الأممي بأنه عبثي يتجاهل الترابط التاريخي المميز لليهودية في جبل الهيكل, المكان الذي قام فيه الهيكل طوال ألف سنة, وصلي له كل يهود العالم لآلاف السنين. ويبدو أن الصهاينة لا يملون من ترديد الأكاذيب, ولا يفقدون الأمل في إقناع العالم بها, فقد أطلقوا اسم( جبل الهيكل) علي المنطقة التي تضم المسجد الأقصي, ويصرون علي أنه نفس الموقع الذي شيد فيه النبي سليمان أول هيكل لليهود في الأرض المقدسة رغم عدم وجود أي أدلة تاريخية تثبت ذلك. وقبل أسبوع وجه نتنياهو دعوة لفريق الأممالمتحدة في إسرائيل لحضور ندوة تثقيفية حول التاريخ اليهودي في القدسالمحتلة. رد الفعل الإسرائيلي الغاضب والمتوقع لن يغير القرار الأممي, ولن يمحو من ذاكرة العالم الحقوق العربية والإسلامية المشروعة في المقدسات الإسلامية في الأراضي المحتلة, ولن يزيف التاريخ من جديد بعدما صححته اليونسكو. الأمر المثير للدهشة هو موقف فرنسا من قرار اليونسكو, والذي بدا معارضا ليس للحقوق الفلسطينية وحدها وإنما للحق العربي والإسلامي في المسجد الأقصي المبارك, والذي عبر عنه رئيس وزرائها مانويل فالس, عندما انتقد القراربشدة ووصفه ب المتسرع!! وقال في كلمته أمام البرلمان الفرنسي: قرار اليونسكو تضمن عبارات يؤسف لها وصدر بشكل متسرع وكان ينبغي تجنب ذلك وتجنب التصويت! وأضاف: سأكرر ذلك بوضوح, ففرنسا لن تنكر أبدا الوجود اليهودي والتاريخ اليهودي في القدس, وذلك لايؤدي لنتيجة ولايمكن تفهمه. ولعل الموقف الفرنسي الرسمي من القرار الأممي يأتي في إطار محاولة فرنسية خالصة لتضليل الرأي العام العالمي لصالح إسرائيل علي حساب الحقوق العربية والفلسطينية, وعلي حساب الحقوق الدينية للمسلمين في مدينة القدسالمحتلة, والإصرار علي تأييد دولة الاحتلال التي ارتكبت كل أنواع جرائم الحرب العنصرية, وكل الممارسات غير الإنساينة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. لم يأسف رئيس الوزراء الفرنسي من قبل لممارسات إسرائيل القمعية ضد الأطفال والنساء والشيوخ في الأراضي العربية المحتلة في مجازر موثقة بالصوت والصورة, ولم يبد أسفا علي كل انتهاكاتها للقوانين والأعراف الدولية بشأن اعتقال الأطفال والنساء وتعذيبهم, ويبدو أنه لم يقرأ سطرا في التاريخ المعاصر, ولم يعلم أن إسرائيل اغتصبت دولة كاملة في وضح النهار هي دولة فلسطينالمحتلة, واستولت علي أراضيها بالقوة. فليعترف رئيس الوزراء الفرنسي كما يحلو له بالوجود اليهودي في فرنسا, وليحاول أن يكون منصفا بقوله أن غضبه إزاء القرار الأممي إنما الغرض منه مغازلة يهود فرنسا لكي يبقي في منصبه, إن كان لا يريد الانحياز إلي الحق والحقيقة الناصعة التي قررتها اليونسكو في باريس, حيث مقر المنظمة الدولية. تجدر الإشارة إلي أن اليونسكو كانت قررت قبل نحو خمس سنوات خلال مؤتمرها العام الذي عقد في باريس في أكتوبر2011 قبول انضمام فلسطين كعضو كامل العضوية في المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة بأغلبية107 أصوات من بينها فرنسا وإسبانيا والنرويج, في حين صوتت14 دولة ضد القرار تصدرتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل وكندا وألمانيا, فيما امتنعت49 دولة عن التصويت, وبموجب هذا القرار انتقلت فلسطين من عضو مراقب إلي عضو كامل العضوية تتمتع بكافة الحقوق واامتيازات التي تتمتع بها باقي الدول. وجاء في حيثيات القرارأن المؤتمر العام إذ ينظر في طلب انضمام فلسطين إلي اليونسكو المقدم من عام1989, وتكرر تقديمه في كل دورات المؤتمر العام التالية, وقد أحاط علما بأن فلسطين تقبل الميثاق التأسيسي لليونسكو, وأنها مستعدة للوفاء بالالتزامات التي ستلقي علي عاتقها بموجب انضمامها, ودفع اشتراكاتها المالية إلي المنظمة, وكما أحاط علما بأن المجلس التنفيذي قد أوصي في دورته السابعة والثمانين بعد المائة بقبول انضمام فلسطين إلي عضوية اليونسكو, فإن المؤتمر يقرر قبول فلسطين عضوا في اليونسكو. يأتي ذلك في الوقت الذي عبر فيه القادة والساسة الفلسطينيون عن ترحيبهم بقرار اليونسكو الذي اعتبروه انتصارا للحق الفلسطيني والإسلامي والعربي. وقالت الحكومة الفلسطينية في بيان لها إن قرار المنظمة الدولية بأغلبية33 دولة يدل علي اقتناع العالم بحملة التزييف والتزوير الإسرائيلية التي تستهدف التراث العربي وأقدس مقدسات المسلمين والمسيحيين في مدينة القدسالمحتلة. وطالبت الحكومة المنظمة الدولية بالتحرك العاجل من أجل وقف الانتهاكات الخطيرة بحق مدينة القدسالمحتلة والمقدسات الإسلامية بها, والمسارعة إلي تنفيذ قراراتها في هذا الإطار. يذكر أن قراراليونسكو حظي بتأييد33 دولة, ومعارضة ست دول, وامتناع17 دولة عن التصويت. ويأتي تصويت اليونسكو بعد إعلان المملكة الأردنية التراجع عن قرار وضع كاميرات مراقبة في المسجد الأقصي والساحات بناء علي المطلب الفلسطيني. وأعلنت الحكومة الأردنية أن الهدف من تثبيت الكاميرات كان توثيق الانتهاكات التي يرتكبها المستوطنون وجنود الاحتلال, لتكتشف أن إسرائيل كانت ستستغل ذلك لتوثيق المعلومات والصور ضد المرابطين والمرابطات ويسهل عمليات اعتقالهم.