الفارق الاول: ان الحدث الجماهيري الذي جري في عام77, قد انصبت خلاله المظاهرات علي مواجهة مشكلة اجتماعية مباشرة,اذ خرجت المظاهرات ردا علي قرارات الحكومة المصرية برفع اسعار السلع الاساسية. هنا وقع الصدمة كان واضحا وحاسما, اذ كان الرئيس الراحل انور السادات قد اسرف في ذكر الوعود واطلاق الايحاءات عن التطور الاجتماعي بعد السلام, وجاءت قرارات رفع اسعار السلع الاساسية بمثابة صدمة مضادة للمواطنين الجالسين في انتظار الرفاهية. اما احداث ووقائع ثورة يناير2011, فقد تمحورت حول قضية الديموقراطية من تعديل للدستور واجراء انتخابات تشريعية تحت اشراف القضاء الي حقوق الاعلام والنشر وتشكيل الاحزاب وغيرها.كان شعار يناير77 محصورا في اسقاط قرارات رفع الاسعار او الحكومة التي اصدرتها, بينما كان شعار2011 اسقاط النظام السياسي. الفارق الثاني: ان ما حدث في77, كان فعلا عفويا كاملا وبكل معني الكلمة, اذ خرج الجمهور العام فور صدور قرار رفع الاسعار. ذلك امر مختلف عن ما جري في يناير2011, اذ كانت المظاهرة الاولي التي جرت في يوم25 يناير كان جري تقريرها بوعي وادراك, واختير لها يوم عيد الشرطة بشكل خاص( يوم المواجهة بين الشرطة المصرية وقوات الاحتلال البريطانية) ليكون هو يوم الغضب من تصرفاتها. جرت التظاهرة الاولي في هذا اليوم بقرار مسبق ومعلوم ومخطط له ومعلن عنه. الفارق الثالث: ان احداث77, جري خلالها التقاء بين الكوادر السياسية وحركة الجمهور في الشارع خلال المظاهرات, فلم يكن احد يعرف احدا من المتظاهرين او قادة المظاهرات. غير ان المظاهرة الاولي التي كانت شرارة ما جري في عام2011, كان من بدأها هم الكوادر السياسية علي نحو واضح, ومن بعد التحق بها الجمهور العام بأعداد واسعة, وفق تطور وتسلسل الاحداث. وقد بدا مما جري ان تلك الكوادر كانت علي درجة من الدراية في التعامل مع اساليب الشرطة, وكذا كانت لديها القدرة علي التخطيط والتفكير في ادارة الاحداث بما دفعها ومكنها من السيطرة علي نقطة ارتكاز في وسط المدينة واقامة ما اطلق عليه' دولة ميدان التحرير' التي كانت بؤرة ضغط متواصلة لتحقيق الاهداف. كان الامر مختلفا عن ما حدث في يناير77, اذ انفض الامر في حالة عشوائية عفوية تامة, مثلها مثل لحظة اندلاع الحدث ذاته. الفارق الرابع: يتعلق بعنصر الوقت, اذ انتفاضة يناير77 لم يطل وقت دوران عجلة اشتعالها, فانتهي نشاطها خلال يومين, ولذلك تسمي احداث18 و19 يناير,بينما انتفاضة2011 طال امدها من25 يناير وحتي الآن, بين تحركات حاشدة لأيام متوالية استمرت حتي11 فبراير ومن بعد تواصلت وتتابعت الفعاليات, وهي لاتزال متواصلة. والفارق الخامس: ان انتفاضة77, لم يصدر بشأنها اي رد فعل دولي مساند لها او مندد بقمعها الذي كان بلا مواجهة اذ جري قمعها دون ضجيج فقتل من قتل وذهب الي السجون من ذهب وكانوا كثر. لكن ثورة يناير2011 جاءت في زمن آخر, ولعل رفع شعارات الديمقراطية كان هو الآخر ما اكسبها زخما دوليا, اذ صدرت ردود فعل دولية امريكية واوروبية وصلت إلي حد الحديث المباشر عن رحيل رئيس الدولة بلغة الان وفورا, والان يعني الان- حسب اقوالهم. رد الفعل الدولي شكل توسعة لرقعة الصراع الداخلي واعطاه بعدا دوليا, وقد لاحظ المتابعون ان نشر الانباء عن ثروة الرئيس مبارك في وسيلة اعلامية بريطانية كان مستهدفا في هذا التوقيت, للتخديم علي التصريحات البريطانية والامريكية والفرنسية بضرورة مغادرة الرئيس فورا. والفارق السادس: ان الحركة الاسلامية التي شكلت محورا مهما في احداث يناير2011, لم تكن حاضرة علي مسرح احداث يناير77, بل كان اليسار هو الحاضر. هذا الحضور للحركة الاسلامية- الجديد في هذه الثورة- اعطي ابعادا اخري للحدث, او لعله هو الحدث المستمر اذ تجري الكثير من التحركات الان علي خلفية طبيعة مشاركة الاسلاميين وحدودها. وهنا يبدو لافتا ان بعض القوي التي كانت تشترط رحيل الرئيس مبارك فورا, والان, صارت تطلب اطالة مدة الحكم الانتقالي لعام بدلا من ستة اشهر,خوفا من سيطرة الاسلاميين وسطوتهم في الشارع الانتخابي, وفي قول اخر, لان الحزب الوطني قد يلملم اوراقه ويسيطر خلال الانتخابات هو الاخر, وان كان البعض يستبعد الاخير,علي اعتبار ان الانتخابات القادمة ستجري تحت اشراف القضاء. والفارق السابع: ان انتفاضة يناير77 صعدت وخمدت فلم يقتد بها- هي في حد ذاتها- احد من الشعوب العربية, بينما الاحداث التي شهدتها مصر في يناير الماضي جاءت ضمن ما يمكن تسميته بالموجة التونسية, التي تحولت عبر الثورة المصرية الي دوامة هواء, صارت تبث رياحا عاتية في المنطقة بأسرها. وللحق فإن الموجة العربية الجارية الآن, صارت تعيد للاذهان اجواء الموجة المحمومة التي شهدتها اوروبا الشرقية منذ سنوات وصارت اسماؤها تنتظم وتتجمل بأسماء الزهور والالوان, واخذت في طريقها كل رؤساء اوروبا الشرقية وكل النظم الشمولية التي كانت تحكم بها تلك البلاد, وانتهت جميعها الي تغيير اتجاهات الدول, اذ تهافت الحكام الجدد علي الولاء للولايات المتحدة والانضمام للاتحاد الاوروبي وحلف الاطلنطي. كان العامل الحاسم في تجربة اوروبا الشرقية هو امتناع الجيوش عن مواجهة المحتجون, وهكذا ما ان انتهي دور الشرطة حتي وجد المحتجين الابواب مفتوحة الي قصور الرؤساء والبرلمانات. ولعل مشهد الرئيس الجورجي الحالي سكشفيلي كان الاكثر سطوعا, حين ذهب علي رأس المتظاهرين واقتحم مقر البرلمان, وقت ان كان الرئيس الجورجي السابق ادوارد شيفارندزه يلقي خطابا فيه, فاختطف الميكروفون من يده وامره بالخروج من القاعة واعلن هو الوصول للسلطة ونهاية النظام القديم. والفارق الثامن: ان زمن يناير77 لم تكن فيه ادوات للتواصل بين المتظاهرين خلال التظاهر علي اي مستوي ليعرف كل منهم ما يجري حتي في الشارع الآخر القريب, كما أن الاعلام الذي قام بتغطية الحدث من اوله واخره لم يكن الا الاعلام الرسمي وحده, الذي صال وجال في تشويه ما جري. صحيح ان علاقة الرئيس السادات بالعرب كانت خلف قيام الاعلام بالاشادة بانتفاضة يناير, غير ان الامر لم يتعد الشماتة والانتقام من السادات في واقع الحال.الامر كان مختلفا الي حد كبير او علي نحو حاسم في ثورة يناير2011. المتظاهرون التقوا وتجمعوا عبر ادوات التواصل الحديثة قبل ان يتجمعوا في الشارع, وهم كانوا متواصلين مع كل وسائل الاعلام وكلها ذات تأثير دولي بعد الفضائيات والانترنت والعولمة-التي كانت تنقل ما يجري في التو واللحظة وتوجه رسائل واضحة المعالم للمتظاهرين ولكل الراي العام.واذا كان المشاركون في ثورة يناير قد اشتكوا من تردد بعض الاقوال عن وجبات الكنتاكي, فقد كان التشويه مضروبا في الف فيما يخص مظاهرات77, التي سماها الرئيس السادات نفسه ب'انتفاضة الحرامية', وقد كان هذا الوصف محل تندر فيما بيننا في السجون, فنشير الي بعضنا البعض بالحرامي الكبير للتفخيم. والفارق التاسع:ان ثورة يناير تمكنت من حشد جمهور واسع ثابت في المواجهة وقادر علي المواصلة والاستمرار في الضغط علي النظام السياسي, بينما الجمهور الذي خرج للتظاهر في يناير77, كان قصير النفس وانفض اثر استخدام العصا الغليظة في المواجهة, وفي ذلك يظهر اثر دور الاعلام وادوات التواصل الحديثة في الحشد والتعبئة وصناعة الرأي العام وتغيير وجهات النظر.الاعلام اظهر كيف تحول من متابعة الاحداث الي مساهم كبير في صناعة الاحداث وتطورها, وذلك ما افاد ثورة يناير2011. والفارق العاشر:ان كل فئات المجتمع كانت وصلت قبل ثورة يناير2011 الي حد غير مسبوق من الغضب وربما الكراهية لرموز في الحكم, الذي كانت قاعدته الاجتماعية قد ضاق تمثيلها الاجتماعي والسياسي, بعد ان صار يعمل وفق آليات تراعي حفنة من المستفيدين المكروهين من اوسع قطاع من الشعب. لقد شهدت السنوات الاخيرة افعالا وممارسات واحداثا لعبت دورها في دفع الناس للثورة.. كل الناس, وهكذا حين صمد الصامدون في ميدان التحرير, واثبتوا امكانية الضغط عمليا علي النظام واجباره علي تقديم تنازلات بعد انهيار مقاومة الشرطة, كان هناك آلاف من المضارين علي نحو مباشر من الظلم والقهر والاضطهاد كل له اسبابه جاهزين للانفجار ولا يرضون بغيره بديلا. الامر كان مختلفا في حالة انتفاضة يناير77, اذ كان الرئيس السادات خارجا لتوه من حرب اكتوبر73, بل كان المجتمع لايزال علي احتشاده خلف النظام الذي حارب وكذا لم تكن هناك فئة فاسدة في الحكم واضحة المعالم بعد, كما كانت تجربة تشكيل الاحزاب السياسية في بدايتها وزخمها.. الخ. الفارق احد عشر:ان احداث18 و19 يناير77 انتهت تماما بنهاية احداث التظاهرات الجماهيرية, ولم تجر بعدها احداث تمردات اجتماعية او حالة فوضي, اذ ما ان توقفت المظاهرات حتي عاد الناس لاعمالهم ولم تجر تظاهرات او اضرابات, وفي كل ذلك لم تسر حالة من الخوف في داخل المجتمع. الفارق مختلف ومهم في حالة ثورة يناير, اذ لاتزال توابع الاحداث جارية, في محاولات اشعال الفوضي وتعميم مناخ التوتر في المجتمع والاصرار علي تعويق الوصول لاتفاقات وتوافقات تحقق نقطة بداية لتثبيت ملامح الامن والاستقرار. الفارق الثاني عشر:ان احداث يناير77 لم تشهد مصر بعدها شيوع اعمال البلطجة او السرقة كما لم يجر اقتحام وحرق مراكز الشرطة وسرقة الاسلحه, وقد ظل الناس امنين في منازلهم واعمالهم. الامر اختلف بعد ثورة يناير, حتي انه ترك جروحا لم تندمل بعد. وختاما, لقد شهدت مصر احداثا جساما خلال انتفاضة يناير77 وثورة يناير2011, اختلفت الاولي فيها عن الثانية, التي لاتزال تتفاعل نتائجها, ولكل منها دروس وعبر بعضها ما يكتب وبعضها يظل حبيس مخازن التاريخ التي تظل عامرة ابد الدهر,لكن مصر في كل الاحوال ظلت هي مصر, بعد يناير هذا ويناير ذاك!