منذ الإعلان عن اتفاق ترسيم الحدود المصرية السعودية وانتقال السيادة علي جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلي المملكة العربية السعودية, والخلاف محتدم بين فريقين من المصريين, أحدهما يبذل جهوده ليثبت مصرية الجزيرتين والآخر يحاول إثبات العكس بحقوق السعودية في الجزيرتين وبينما الجدل محتدم بين الطرفين توارت كثير من الدلالات المهمة التي يحملها الحدث. وهنا نطرح الأسئلة كونها تفتح الأفق بعيدا عن الجدل والشحن المتبادل علي وقع الاصطفافات المتناقضة بين أبناء الوطن الواحد, وهو الجدل الذي كشف عن مدي التشوه الذي أصاب الحالة الوطنية في مقتل, حيث لم يكن يظن أحد أن يصل الخلاف بنا إلي هذا الحد الذي يعكس ضعفا بنيويا في الصميم, وتبقي أعباء استنهاضه في المستقبل عندما تحين لحظة اليقين شديدة الصعوبة. تنطلق الأسئلة من الاستفسار عن مدي الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية والعسكرية لجزيرتي تيران وصنافير وذلك في سياق أهميتهما في الصراعات الإقليمية في الماضي والحاضر والمستقبل؟ وهل تلك الأهمية تفرض تمسكا بالسيادة علي تلك الجزر باعتبارهما يمثلان مصلحة مصيرية لمصر بصرف النظر عن حقوق أي طرف كان؟ وإذا كان التنازل قد تم فعليا فما هي الرسالة الضمنية التي يحملها تنازل أي دولة عن سيادتها الفعلية علي جزء من أراضيها لصالح دولة أخري بصرف النظر عن حالة جزيرتي تيران وصنافير؟ وهل هذا السلوك يعكس حالة من الضعف تبدو عليها الدولة المتنازلة عن سيادتها كون الدول القوية تتمدد والدول الضعيفة تنحصر وفق منطق القوة الذي يحكم العلاقات بين الدول؟ من زاوية ثانية ماذا يعني غياب الوجود في هذه المنطقة الاستراتيجية بالنسبة لمصر؟ هل يعني هذا فقدان مصر لميزة استراتيجية في حالة أي مواجهة إقليمية في المستقبل؟ أم أن تطور علاقات مصر ايجابيا مع إسرائيل تستبعد بصورة مطلقة احتمالات أي صراع في المستقبل؟ وإذا كان تقدير الموقف علي هذا النحو خاطئا فكيف ستكون العواقب؟ كيف يمكن أن نفهم انحسار وجودنا علي تخوم إسرائيل, بينما هي تحاول أن تضغط علي أطرافنا وتضر بمصالحنا في كل مكان؟. ومن الزاوية المقابلة ماذا يعني للسعودية بسط سيادتها علي جزيرتي تيران وصنافير في مدخل خليج العقبة؟ هل هذا الحضور علي خط التماس مع إسرائيل سيجعلها دولة مواجهة؟ وهل هي لديها الاستعداد لتحمل أعباء هذا الحضور؟ أم أن الإصرار علي نقل سيادة الجزيرتين هدفه فتح الطريق أمام تدشين مرحلة مختلفة من العلاقات السعودية الإسرائيلية كون هذا التغيير يتواكب مع الدور السعودي المتصاعد في الإقليم؟ وهل هذا الوجود له علاقة بسعي السعودية للإمساك بمزيد من أوراق الضغط للمساومة علي مصالحها في النظام الإقليمي الذي يوشك علي التشكل؟. من زاوية أكثر اتساعا هل يمكن أن نقول إن ترسيم حدود المنطقة ككل قد بدأ من خليج العقبة؟ وهل ستصبح تيران وصنافير مدخلا لقبول تتويج إسرائيل كقوة إقليمية شريكة وربما قائدة في الشرق الأوسط الجديد بحدوده الجديدة؟ أم أن هذه الجزر ستتحول لبؤرة صراع بين أهم قوتين في العالم العربي؟ هل إسرائيل بدأت عملية جراحية لتنفيذ طموحها من مدخل خليج العقبة عبر تقسيم المنطقة لخدمة وجودها وبقاء كيانها كقوة وحيدة, بينما الآخرون ضعفاء متنازعين حول الهويات والمذاهب والأديان والحدود؟ هل ستمتد يد التقسيم إلي سوريا التي ينضج فيها مشروع التقسيم علي نار هادئة؟ وهل سيطال التقسيم العراق واليمن وليبيا ولبنان والبحرين؟ هل سيناء أمام تهديد سيادي مماثل؟ كيف سيكون الحال في الأردن والضفة وغزة والجولان المحتلة؟ وأخيرا هل نحن نعيش الواقع أم أن عجلة الزمن قد تجاوزتنا وأصبحنا ندور في فلك السعودية التي تستعد لتشغل مقعد العرب الشاغر في الشرق الأوسط الجديد؟ أليس حريا بنا أن نترك الخلاف وننتبه؟!.