تبدو الحياة أجمل حين تجد فيها من يفهمك ويقدرك, حين تمضي حزينا فتجد من يسعد قلبك, وحين تتعثر أمورك تجد من يدعمك ويشد أزرك. نعم, هناك معان تجعل الحياة أجمل, مثل وجود صديق قادر علي امتصاص غضبك, يعطي لك فرصة الإفصاح عن ذاتك في يسر, والتعبير عن مشاعرك بحرية, يساعدك علي تفريغ طاقتك السلبية والإيجابية دون تذمر. وهو ما يطلق عليه علميا مصطلح: المساندة الاجتماعية والنفسية أو دعم الأصدقاء, وقد أثبتت أغلب الدراسات أن غياب الصديق من حياة الإنسان يجعله أكثر استهدافا للأمراض النفسية مثل: القلق, والاكتئاب, والملل, والشعور بالوحدة. ولكن قبل أن تثق في أي شخص, وتعطيه مكانة هامة في حياتك, تمهل وتأكد أنه من الأخيار حتي لا تندم. اقترب من صاحب العقل والخلق كما أوصي الغزالي, ومن يتمتع بالصلاح والكرم والصدق. وتوخي الحذر قبل أن تقول هذا صديقي, فلابد أن تتأكد أنه يشاركك اهتماماتك وأفكارك, وأن طباعه تتوافق مع طباعك وميولك. وقبل أن يدخل بيتك ويطلع علي أسرارك تأكد أنه أهل لذلك. وقبل تعميق الصداقة بينكما راقب سلوكه عن بعد, ولاحظ تصرفاته أثناء الغضب, وتابع رد فعله عند اختلافه مع الآخرين. فإذا افتقدت الصداقة عنصر الاحترام فقدت قيمتها. واحذر من مصادقة الجاهل وصاحب المنفعة, لأن ضررهما أكبر من نفعهما. وقبل أن تبحث عن صديق أمين, عليك أن تبحث داخل نفسك عن المعاني الأصيلة التي تؤهلك لاكتساب ثقة الآخرين, وتسهل عليك وجود صديق يتشابه مع أفكارك, وسلوكك, وشخصيتك. تعلم بعض المهارات الاجتماعية, وتدرب علي آداب التعامل مع الأصدقاء مثل: كتمان السر, وستر العيوب, والابتسام في وجه الآخر, والدفاع عن غيبته. فمن حق الصديق علي صديقه دفع الظلم عنه, وستر عيوبه وامتصاص غضبه, ونصحه بهدوء وحب. فإذا أخطأ عاتبه بلين ورفق. وسامح ولكن لا تنس من أساء إليك. وعليك أن تعلم أن الأصدقاء أنواع, فمنهم من يهدف إلي المنفعة, وهو شخص لا خير فيه وتنتهي صداقته بانتهاء مصلحته. وهناك صديق استثنائي, تلتقي به داخل نشاط ترفيهي أو علمي أو رياضي... الخ, وهي أيضا صداقة لا تدوم وتنتهي بسهولة. وهناك صداقة علاجية, الهدف منها العلاج والشفاء, وهي علاقة طيبة تنشأ بين المعالج والمريض, فيها المعالج شخص حكيم مؤهل لسماع المريض وحفظ أسراره بحكم عمله وعلمه, وهي صداقة طيبة لكن مؤقتة قد تنتهي بالشفاء أو تستمر. أما أفضل الصداقات فهي المبنية علي التشابه في الأخلاق والأفكار والسلوك, وهي قائمة علي الحب والوفاء بين شخصين أو ثلاثة لا أكثر, وتنمو ببطء حتي تكتمل, وتستمر حتي لو بعدت المسافات بين الصديقين. فالصداقة الحقيقية عبارة عن تفاعل روحي وعقلي, تجعل الحياة أكثر قيمة. ولكن عليك باختيار الأوفياء. وكما قيل لا خير في ود امرئ متملق, حلو اللسان, وقلبه يتلهب, يلقاك يحلف إنه بك واثق, وإذا تواري عنك فهو العقرب, يعطيك من طرف لسانه حلاوة, ويروغ منك كما يروغ الثعلب. كلية الآداب جامعة الإسكندرية