في السادس عشر من شهر مارس الماضي حلت ذكري وفاة إسماعيل الحبروك صاحب المواهب المتعددة فهو الصحفي والقصاص والشاعر الغنائي, وغير ذلك من الصفات التي جعلت منه واحدا من المرموقين بين أبناء جيله, وللأسف فإن سنوات عمر إسماعيل الحبروك لم تتجاوز السبعة والثلاثين عاما, فقد رحل إلي عالم الخلود, وهو في عنفوان شبابه وربيع عمره, ولكن عمر الموهوبين لا يقاس بالسنين, حيث كانت أيام عمره يانعة مليئة بالعطاء, فقد كان قلمه يفطر بما هو كل جميل من غنائيات وقصص وأعمال صحفية رائعة. وفي يوم ذكري رحيله احتفلت إذاعة الأغاني بهذا الشاعر الأديب القصاص, واستضافت ابنه الصحفي حسين الحبروك الذي تحدث عن مشوار والده في عوالم الأدب والصحافة, وقد أسعدني حسين الحبروك بأن طلب من مقدمة البرنامج الإذاعية اللامعة ابنتنا سونيا محمود رئيس إذاعة الأغاني أن يجري معي مداخلة تليفونية لما يعرفه من جذور صداقة عميقة ربطتني بوالده منذ أربعينيات القرن الماضي, تحدثت خلال المداخلة عن هذه الروابط منذ أن تعرفت علي إسماعيل الحبروك زميلا في كلية الحقوق بجامعة فاروق الأول, التي هي الآن جامعة الإسكندرية, وكان إسماعيل الحبروك في السنة الثالثة بالكلية عندما التحقت أنا بالسنة الأولي, وكان يرحمه الله معروفا ومشهورا بين جموع الطلبة فهو شاعر الكلية الذي يقف بين جموع زملائه يبث فيهم مشاعر الوطنية منددا بالاستعمار, صادحا بأشعار تلهب الحماس فإذا بنا جميعا نندفع من خلفه في مظاهرات عارمة تجوب شوارع الثغر تهتف بسقوط المستعمر ونزأر بحياة مصر, إضافة إلي ذلك كان اسماعيل الحبروك معروفا أيضا بأنه يراسل مجلة, روزاليوسف, بأخبار مجتمع الإسكندرية, وينشر في صفحاتها بين حين وآخر روائع قصصه القصيرة, وكان مما يبهرنا فيه أيضا أنه كان يتميز بطلعة بهية وشياكة في ملبسه, ونشأت بيننا نحن الطلبة الصعايدة وبينه صداقة ظلت وطيدة إلي أن تخرج في الكلية1947, مرتحلا إلي القاهرة صحفيا في روزاليوسف لتنقطع الصلة بعد تخرجه وابتعاده عن الإسكندرية, وفجأة في مطالع خمسينيات القرن الماضي التقتيه, في دهاليز الإذاعة, فكانت الأحضان واجترار الذكريات, كنت أنا أيامها في أولي درجات السلم الإذاعي وهو من كبار المتعاملين مع الإذاعة يقدم أغانيه للجنة النصوص ويغني له الكبار من المطربين والمطربات, كما كان يقدم أيضا أعماله القصصية, وله صداقات مع أساتذتنا من الإذاعيين, وتتجدد الصداقة ويكتب إسماعيل قصصا قصيرة كنت أقدمها في برنامجي مجلة الهواء, وينفجر إسماعيل الحبروك عطاء غنائيا باذخا زاخرا بالوطنية عندما وقع العدوان الثلاثي1956, فإذا بأغانيه تملأ الأجواء بعطر الوطنية ونسائم الحرية وتردد الملايين نشيد يا أغلي اسم في الوجود وأغنية دع سمائي فسمائي محرقة مما ألهب المشاعر وأجج نار الغضب علي ثلاثي العدوان الغادر.. لقد كتب إسماعيل الحبروك أجمل الأغنيات العاطفية مثل أول مرة تحب يا قلبي و وتخونوه ومشغول وغيرها لعبد الحليم وغنت له نجاة يا حبيبي قوللي آخرت جرحي إيه وكل شيء وراح وانقضي و أما غريبة وغيرها وغني له كارم محمود داره قصاد داري و يا فايتني في حيرة مشغول البال وغنت له وردة ونازك وليلي مراد وسعاد محمد وفريد الأطرش ومحمد ثروت, حتي إنه يمكن أن يتساءل الإنسان من لم يغن لإسماعيل الحبروك؟ فلقد أثري حقل العقاد بعذب كلماته ورائع أشعاره, وفجأة وهو في قمة التوهج والعطاء وفي ريعان الشباب يختطفه الموت ليترك فراغا كبيرا في مجال التأليف الغنائي والأدبي, كما يترك لوعة وأسي في قلوب أصدقائه الذين أشرف بأن أكون واحدا منهم يرحمة الله