أكدت محكمة( نورمبرج) التي حاكمت مجرمي الحرب النازيين عقب الحرب العالمية الثانية أن مبدأ الشروع في الحرب هو جريمة ضد الإنسانية لأنه يجلب معه كل الشر الذي يمكن ان نتخيله للدول المستهدفة, وهي نوع من الفوضي المدمرة وانهيار المعايير الحضارية, إلا اننا شئنا أم أبينا فان خيار الحرب لا يزال أمرا مطروحا لدي الولاياتالمتحدةالأمريكية في القرن الحادي والعشرين سواء بالنسبة لشن حرب جديدة أو الاستمرار في حرب قائمة ضد الإرهاب, فما هو مدي استعداد مرشحي الرئاسة الأمريكية لاتخاذ قرار الحرب أو الإعراض عنه؟ احتمال شن المرشحين للرئاسة الأمريكية سواء الجمهوريون أو الديمقراطيون حربا ضد إيران أمر قائم فيما عدا المرشح الديمقراطي والمنافس الوحيد لهيلاري كلينتون بيرني ساندرز. كما ان هناك احتمالات كثيرة لشن حرب أمريكية ضد روسيا المسلحة نوويا أو تهديد الصين. من جانبه, لا يتحدث بيرني ساندرز كثيرا عن السياسة الخارجية, وتركيزه الأساسي علي الأمور المحلية الأمريكية, ولكن من الواضح انه يميل لتجنب الحروب الخارجية وخاصة أي نزاع من الممكن أن تأخذ فيه الولاياتالمتحدة زمام المبادرة, فهو يعتقد علي سبيل المثال أن تنظيم( داعش) خطير لكنه يري ان الدول المحلية الأكثر تضررا منه مثل سورياوالعراق ينبغي أن تأخذ زمام المبادرة لمواجهته. ساندرز يؤيد الاتفاق النووي مع إيران إلا انه يعارض الحربين العراقيتين الأولي والثانية, كما أنه لم يصوت مع ما كان ينظر إليه علي انه تدخل إنساني في ليبيا. وهو يعارض المزيد من التوسع في حلف شمال الاطلنطي( الناتو), كما انه يوافق علي استخدام العقوبات ضد روسيا بالنسبة لأزمة أوكرانيا لكنه يعارض مساعدة حكومة كييف وتصعيد تورط أمريكا في الأزمة الأوكرانية, فهو يميل الي الدبلوماسية في الأزمات بدلا من استعراض القوة, وتظل الحرب الخيار الأخير بالنسبة له عندما تكون المصالح الأمريكية العليا معرضة للخطر. هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية الأوفر حظا تأخذ موقف الصقور ولديها ميول دائما نحو استخدام القوة العسكرية كلما كان لديها شك في دولة ما. هيلاري أيدت إسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين, وكوزيرة سابقة للخارجية في عهد أوباما كانت سببا في الكثير من الأخطاء التي تعانيها المنطقة حتي يومنا هذا حتي إنها أقنعت الرئيس الامريكي باراك أوباما المتردد بالتدخل العسكري في ليبيا لينجم عن ذلك تحول ليبيا الي دولة للميليشيات المتناحرة علاوة علي صعود تنظيم داعش مستغلا مناخ الفوضي في البلاد. هيلاري تؤيد منح المساعدات لأوكرانيا وتوسيع حلف( الناتو) ليشمل أوكرانيا وجورجيا مما يمثل تحديا مباشرا للأمن القومي الروسي, كما أيدت هيلاري مناطق حظر الطيران في سوريا التي من شأنها ان تزيد تورط الولاياتالمتحدة في الأزمة الي جانب تصاعد خطر الصراع مع روسيا وغيرها من المشاركين في القتال علي الأراضي السورية, كما انها مقتنعة بضرورة تغيير نظام الرئيس السوري بشار الأسد كشرط مسبق لتسوية سلمية في البلاد. هيلاري تقبل الاتفاق النووي مع إيران لكنها تتحدث عن التطبيق الصارم له الي جانب تهديدها بإعادة فرض العقوبات علي طهران, مؤكدة أن إيران تعتبر تهديدا للمنطقة بأسرها. وشددت هيلاري علي أهمية العلاقات الأمريكية الإسرائيلية وتعهدت مرارا بنقلها الي مستوي جديد. هيلاري إذن تميل لتصعيد التوتر مع روسيا وزيادة التورط في سورياوالعراق, كما أكدت صد أي محاولات لتطبيع العلاقات مع إيران, كما شددت علي دعم وتأييد جميع التحركات التي تقوم بها إسرائيل في المنطقة لتشمل الهجمات المحتملة علي الدول المجاورة لها بما في ذلك لبنان, كما تعهدت بمواصلة أطول حرب لاحتلال أفغانستان. أما دونالد ترامب المرشح الجمهوري فقد تعهد بخفض ميزانية البنتاجون وانتقد التدخلات العسكرية في آسيا وإفريقيا خاصة الحرب علي العراق وليبيا وذلك علي أساس تكلفتها وفشلها, كما رفض الأحذية الأمريكية المباشرة علي الأرض في إشارة للجنود الأمريكيين سواء في سوريا أو العراق الا انه يري في تنظيم( داعش) تهديدا كبيرا وتعهد بقصفهم بلا رحمة. ويعتقد ترامب انه يمكن العمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين, ولا يري في أوكرانيا مصلحة حيوية بالنسبة لواشنطن, وهو المرشح الأمريكي الوحيد الذي بدا علي استعداد لتهدئة التوترات مع موسكو, كما ان لديه استعدادا للعمل مع القيادة الصينية, كما يتحدث عن ضرورة تفكيك حلف( الناتو) الذي يعتقد انه لم تعد له فائدة. وبالنسبة للحرب علي الإرهاب فان ترامب تعهد بعودة عمليات التعذيب للمشتبه بهم وقتل عائلات الإرهابيين كضمانات لعدم تنفيذهم عمليات إرهابية. وفيما يتعلق بايران فان لديه قبولا للاتفاق النووي ولكن بشرط أن يكون صارما, كما انه لن يوسع مشاركة الولاياتالمتحدة في حروب الشرق الأوسط, كما انه يميل لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان باعتبارها ضمن الحروب المكلفة وغير الناجحة. من جانبه, يريد المرشح الجمهوري تيد كروز زيادة ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية( البنتاجون) ويسعي لقصف سوريا بشكل مكثف لتدمير تنظيم( داعش) وإنشاء منطقة لحظر الطيران, كما يسعي لتقديم دعم مباشر لأوكرنيا ضد موسكو, وقال انه يعارض التدخل العسكري الأمريكي في العراق وليبيا لأنها حروب فاشلة نظرا لاعتمادها علي معلومات استخباراتية كاذبة. علاقة كروز القوية بإسرائيل تدفعه للقفز في أي حروب تتعلق بالشرق الأوسط وقد تعهد بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران وطلب من الإيرانيين القضاء علي جميع المنشآت النووية الحالية. وبالنسبة للعزوف عن الحرب يعد بيرني ساندرز هو أفضل خيار لكن من غير المرجح ان يكون الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية, بينما تعد هيلاري كلينتون الأكثر قدرة علي إلحاق الضرر بالدول التي تختلف معها أكثر من كروز الذي من شأن الكونجرس الأمريكي ان يكبح جماحه نظرا لأنه يبغضه بشدة.