كتب اللواء د. سمير فرج في عدد صحيفة الأهرام الصادر يوم الخميس الماضي مقالا عن دوائر الأمن القومي المصري تناول فيه الدائرة الإفريقية, مشيرا إلي الدور الكبير الذي لعبته سياسة عبد الناصر في القارة الإفريقية, وكيف أنها صارت في عهده عنوانا بارزا لإفريقيا, بل وصارت قبلة لها. ولو قدر وأن تواصلت الجهود في المجال الصناعي تحديدا, لأصبح سوق إفريقيا, وأيضا مناجمها الخام, وقودا لمصر, وغيرت بالتأكيد موقعها في خريطة العالم الصناعية. فعندما كان قماش قطن مصر يكسو سكان العديد من الدول الإفريقية, لم تهتد دول جنوب شرق آسيا إلي ميكنة تعليب الأرز!.. ولم يقم, في الصين مصنع واحد للألعاب النارية!.. ولم تكن اليابان دولة منافسة لأوروبا.. فدعونا نري كيف تفوقت اليابان, علي سبيل المثال, وصارت أكبر مصدر للسيارات؟. ولأن القفزة الاقتصادية العجيبة التي خلقها اليابانيون لبلدهم من بعد الحرب العالمية الثانية, وهم المهمزون, الذين تأذوا كثيرا من القنبلة الرهيبة التي أسقطها المنتصرون علي هروشيما, حيرت اقتصاديو العالم كلهم, فكتبت التحليلات والدراسات الأكاديمية والحقلية المعمقة, ولكنها لم تنجح في دفع سيارة أوروبية واحدة تنافس سيارات الدفع الرباعي, وهي تكر وتفر في صحاري ليبيا, وجبال اليمن, وفيافي الشام. أريد أن أنقل إليكم أهم ما جاء في تقرير نشر سنة1968, في مجلة(USnews&worldreport), فقد يعيننا علي إيجاد أجوبة لأسئلة تحاصرني مثلما تحاصركم.. التقرير تأسس علي مقارنة ما بين اقتصاد دولة منتصرة, وهي بريطانيا, وأخري مهزومة وهي اليابان!.. يقول التقرير: تشابه وتباين مذهل ما بين دولتين كبيرتين قائمتين علي مجموعة جزر, مساحتهما متقاربة جدا.. البلدان يحتاجان أن ينتجا ويصدرا ليحصلا علي ثمن غذائهما أو يموتا جوعا.. فماذا حدث؟. بعد الحرب بسنوات سجلت بريطانيا معدلا قياسيا في الركود الاقتصادي, فيما زاد معدل النمو الاقتصادي في اليابان أكثر من10%, وقياسا لذلك تنبأ الاقتصاديون أن اليابان لو استمرت في تحقيق هذا المعدل فسوف تسبق بريطانيا, وتصير رابع قوة اقتصادية في العالم!.. وصارت اليابان هدفا للدراسة لمعرفة سر هذا التفوق السريع. فدعونا نتعرف علي أسباب معجزة هذا التفوق. خبراء الاقتصاد يلخصونها بعد دراسات مستفيضة في الأسباب التالية: يضع اليابانيون شعارا بسيطا خلاصته: ابحث عن الأفضل في العالم وأعمل علي تحسينه فيما يقابل البريطانيون كل جديد بشك وريبة.. أن مديري الشركات اليابانية أفضل تعليما..80%, منهم تعلموا في الجامعات بينما تعلم36% فقط من مثيلهم البريطانيين, ناهيك أن التعليم أفضل والتدريب أيضا.. الاعتماد الكبير علي العقول الآلية. مع اتجاه الطلبة نحو الصناعة, فيما يعزف طلبة أكسفورد مثلا عن التوجه نحو الصناعة. الضمانات الي تقدمها الشركات اليابانية لعمالها المبنية علي أساس التعاقد مدي الحياة, لما نسبته50%, وهي نسبة المتميزين منهم, وتصل90%, في الشركات الكبري فهم بذلك أبعدوا شبح البطالة وتسريح العمال! ناهيك عن خدمات الرعاية الصحية وإعانات السكن وتوفير السلع التي ينتجونها بأسعار مخفضة جدا, كل ذلك جعل العمال لا يخضون تغول استخدام الآلة والحد من الأيدي البشرية. ما نسبته70%, من الطلبة اليابانيين يبقون في الدراسة حتي سن18 سنة فيما يظل في بريطانيا ما نسبته5%, فقط! وبذلك يصل1 من كل7 إلي الدراسة الجامعية في سن الثامنة عشرة, بينما تكون النسبة1 من24 عند البريطانيين. قد تكون هذه النقاط هي أبرز ما لخصه المتخصصون, وقد يكون ما نقلته كفيلا بإقناع المشككين في بعد, وعمق رؤية القيادة المصرية في توجهها نحو اليابان.. ولا شك أبدا أنهم سوف يستفيدون كثيرا من التجربة اليابانية. كاتب ليبي [email protected]