جمع الحاخام( يوضاس) شريعة موسي, عليه السلام, في كتاب سماه( الميشنا), ثم اضاف حاخامات آخرون- بامتداد التاريخ- شروحات ألفت في مدارس فلسطين, وفي بابل بعد سبيهم سنة597 ق.م. هذه الشروحات هي التي سميت( الجيمارا) وهي ما شكلت مع( الميشنا) ما يعرف بالتلمود, الذي لم يعد كما كان في القرن التاسع عشر مجرد كتاب لا يرتقي إلي مستوي التوراة, بل صار كتاب مهم في التشريع اليهودي, علي الرغم من كونه المدخل الذي حرفت من خلاله شريعة موسي كما يقرر القرآن الكريم, وأنا لا أنوي- مطلقا- التعرض لهذه الحقيقة ولا مناقشتها. أنا في الواقع أريد أن أعرض مسألة مهمة للغاية تعرض لها التلمود وأكد علي ضرورتها, وهي في الواقع السبب الرئيسي في تصدر اليهود قائمة علماء العالم فالإحصائيات الموثقة تقرر أن تعداد اليهود اربعة عشر مليونا, فاز منهم مائة وثمانون عالما خلال المئة وخمسة أعوام الماضية بجائزة نوبل, وتعداد المسلمين بليون ونصف فاز منهم بالجائزة نفسها, خلال الفترة نفسها ثلاثة فقط!- وبالقدر الذي يقنعني أن التوراة حرفت, كما يقول قرآننا الكريم, وكما يقرره المنطق الذي يفرضه خلط تعاليم السماء بتفسيرات البشر. منوهين أن مكانة التلمود, عند اليهود, تسبق مكانة تعاليم موسي بمفردها! أعترف بأن آراء التلمود وتعليماته بشأن التعلم مهمة وفعالة للغاية, بل هي في تقديري ما نحتاجه بالفعل للخروج من نفق الانغلاق, والتطرف, والانكفاء علي الذات بتعلم كافة مناحي العلوم الوضعية, جنبا إلي جنب علوم ديننا الحنيف, وبالطبع علوم الديانات الأخري, واضعين نصب أعيننا أن من تعلم لغة قوم أمن مكرهم!. ولأنني اريد أن انقل اليكم وجهات نظر علماء اليهود في التعليم, خصوصا الديني. أما لماذا التعليم تحديدا ؟ فذلك لأنني أري أنه مشكلتنا الأساسية, في حين أن تلمود اليهود أسس منهجه علي اساس تطوير تعاليمه وتغييرها بما يتناسب مع العصر. ويعد معلم يدعي( هلليل) وهو بابلي المولد مؤسسا لمدرسة تسمي( تنايم) في القرن الأول الميلادي, التي تقر أن الحياة تخضع لظروف تتبدل باستمرار, ولا يمكن الخضوع للضغوط التي تفرضها عليها الإطارات المتصلبة لشريعة مكتوبة لا يمكن تغييرها, فوجد في حرية التفسير المسموحة من القانون الشفهي الأداة التي لا تقدر بثمن, والتي بفضلها يمكن للوصايا التكيف مع الظروف المتنوعة ومن الواضح تأثير هذا الرأي علي مفسري نصوص التوراة, ولعل تغير رأي المنظومة التربوية القديمة في تعليم البنات التي تقول: أي شخص يعلم التوراة لابنته يفعل كما لو كان يدرب علي الفاحش وكانت غالبية اليهود تؤيد هذا الرأي مستندة علي ما يقوله سفر التثنية(19,11): وعلموها بينكم وتدارسوها إذا جلستم في بيوتكم وإذا مشيتم في الطريق وإذا نمتم أو قمتم باعتبار أنها تعني حرفيا- بحسب اللغة العبرية- الأبناء الذكور فقط, وبل أحد الحاخامات يقول: الأفضل أن تأكل النار كلام التوراة من أن ينقل للنساء ويقول آخر: ليس لدي المرأة ما تتعلمه إلا معرفة استعمال المغزل ولعل سبب وجهات النظر القديمة هذه خوفها من تأثر بيتها بغيابها المتكرر لحضور دروسها, والحاخامات يرون أن المرأة تحتاج إلي تثقيف أقل ولكن أن تصل بثقافتها إلي علاقات متواصلة مع الرجل قد يؤثر في اخلاقها, ثم يخشون أن تأخذهن الحماسة الدينية ويكرسن انفسهن للعزوبية مثلما فعلت النساء المسيحيات! ولكن ماذا حدث ؟ ما الذي غير وجهة النظر اليهودية في تعليم الأنثي ؟ كيف صارت المرأة اليهودية في هذا الزمن رئيسة وزراء, وزيرة خارجية, ناهيك عن وجودها في مناحي الحياة كافة ؟ في تقديري هو التفسير العملي بما يخدم النهضة العلمية خصوصا وان التوراة توصي, وتؤكد علي ضرورة تعليم اليهودي المخلص العلم لأطفاله, خصوصا تعاليم الدين: ولتكن هذه الكلمات التي أنا أمرك بها اليوم في قلبك كررها علي بنيك وكلمهم بها إذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وإذا قمت التثنية(7,64) ويؤكد( احبار1,6) علي ضرورة اكتساب المعرفة: إذا اكتسبت المعرفة فلا شيء ينقصك لكن إذا نقصتك المعرفة, فأنت لن تكسب شيئا ويقرر التلمود ان تعليمك لأطفالك يسبق صلاتك بل إن المخلصين من الحاخامات يصطحبون اطفالهم للمدارس قبل أن يتناولوا افطارهم و( الحوليات23.16) تأمر لا تلمس الممسوحين ولا تؤذ أبنائي الممسوحون أو المدهونون هم اطفال المدارس- أما ابنائي فهم المعلمون, الذين تضعهم الشريعة في مرتبة أعلي من مرتبة العائلة: فالأهل يكتفون بإنجاب الطفل إلي هذا العالم, بينما المعلم يقوده للحياة الآخرة وتحكي كتب التراث اليهودي أن حاخامات وصلوا قرية لم يجدوا فيها معلم, فذهبوا لحاميها وقالوا له انك مخربها! لأن حماتها هو المعلمون.. وقالوا: ليكن خوفك من معلمك مساويا للخوف من السماء. ويعود تأسيس المدارس إلي النصف الأول من القرن الأول ق.م. وكان الفصل الموكل للمعلم لا يتجاوز25 تلميذا. ولا ادري ماذا اضيف, أو كيف اقارن بين حالنا طوال الأربعة عقود الماضية وبين ما قرأته ولخصته لكم من كتاب التلمود- وهو عرض للتلمود وتعاليم الحاخامات: آ- كوهين ترجمة جاك مارتي دار الخيال2005 من ص.239 إلي246-. وقيل إن الرئيس الحبيب بورقيبة سأل القذافي لماذا يتعمد تجهيل شعبه ؟ فأجابه كعادته مازجا سخريته بجدية لئم ناعمة: حتي لا يثورون علي! فأجابه المناضل الراحل مبتسما كعادته ايضا: يثور عليك شعب متعلم, افضل من أن يثور عليك شعب جاهل!! كاتب ليبي [email protected]