لا أعرف كيف يكتب.. ولا متي يفكر ويتأمل.. فهو- بحكم عمله الثقافي- لا يكاد يلتقط أنفاسه.. يتبدي ذلك حتي في سرعة حديثه, الذي تزحم كلماته ضحكات الطفل إنها طاقة الحب التي تشع من بين كلماته وينقلها إليك ولو عبر التليفون هذه الطاقة وهذا الطفل هما اللذان يعطيانه القدرة علي إبداع الشعر. هو الشاعر أشرف عامر في الخمسينيات من العمر وهو طفل كبير.. قد يكبر فيه الجسم والعقل ويبيض الشعر لكن الأحاسيس تظل يانعة تتلفت حولها للحياة.. تحملق في دهشة وتسجل.. هذه الدهشة هي بالتحديد حيوية الحياة داخله. والتقي الشاعر الحي.. بالمغني الصداح علي الحجار. في مخيم واحد تابع للثقافة الجماهيرية في معرض الكتاب واحتشد السرادق بمحبي الاثنين. وبرغم أنه لا يسع إلا المئات فقد اتسع ليستوعب أكثر من ألفين.. وعلي الحجار مطرب مثقف يملك صوتا مثقفا.. فأغلب أغنياته أقرب إلي الشعر الحديث وليست مجرد كلمات يتوارثها المطربون ضمن قاموس محدود لا يكاد يتغير. وعلي الحجار مثقف بالفعل.. فقد درس جماليات الفن التشكيلي في كلية الفنون الجميلة.. كما تتلمذ علي يد والده طيب الوجه والقلب والصوت إبراهيم الحجار متميز بصوت الأبوي الحنون خاصة حين تستمع له في أغنيته الأكثر انتشارا( عزيز علي القلب) فلا تملك إلا أن تخضل عيناك بالدموع. والتقت الحيويتان.. صوت علي الحجار.. مع أشعار أشرف عامر.. فامتلأ السرادق بالدفء برغم برودة الجو الشتوي والمكان شبه المفتوح.. لكن عشاق الفن الجميل يستمعون بقلوبهم المحاطة بالدفء قبل استماعهم بالأذن البردانة! .... تجول علي الحجار بين أغنياته الكثيرة والتي يكاد يحفظها الناس سواء في الإذاعة أو التليفزيون خاصة تلك المقدمات المرتبطة بالمسلسلات.. وأيضا أغانيه متجددة المعاني والتي تتجدد معها خلاياه.. وينقل بها هذا التجدد إلي الناس علي عكس مطربين آخرين يتفننون في نشر الكآبة واليأس في كلماتهم المغناة ظنا أن هذا مطلوب ويتماشي مع الطبيعة الإنسانية والمصرية خاصة غير واعين للفارق النوعي بين الحزن الإنساني النبيل المشروع.. وبين الحزن الثقيل الذي يصل إلي درجة الهم الذي يصيب بالكساح فلا يملك المستمع الذي كان علي وشك الذهاب للعمل.. أن يقعد مكانه يائسا ناظرا إلي السحب السوداء العابرة في السماء برغم عدم وجودها. ... في قصيدة نافرة تكاد تكون خارجة عن سرب العصافير التي صوصوت بهجة في الأشعار التي ألقاها أشرف عامر.. سماها نصيحة يا ابني يقول في أحد مقاطعها وعشان تعيش في الدنيا وتعافر لازم تكون مسنون ولك ضافر! وفي مقطع مماثل يقول: وإن خيروك بين الأسد والفار اختار تكون تعلب حويط مكار لم أفهم هل هذه نصيحة لابنه فعلا أم أنه تراكم الحزن داخله فما يحدث حولنا يراه أشرف الكبير الرافض.. بينما أشرف الطفل الصغير الحالم.. يرقبه من عشه واسع العينين. مندهشا!