في ظل تحديات نواجهها وإحباطات تعيق الأمل من السريان في النفوس وتثبيط الهمم من قبل البعض أجدني أعيد نشر تلك الكلمات التي حواها مقال سابق لي في العام.2014 حكاية واقعية حدثت لي في الصغر علمتني درسا صاحبني مدي الحياة في أيام كان الصعب لها عنوانا. رغم مرور ما يقرب من أربعين عاما علي تلك الواقعة, إلا أنني لم أنسها يوما بل وكانت سببا في تخطي العديد من المواقف الصعبة في حياتي, فقط كلما تذكرتها أبتسم وأتوكل علي الله وأبدأ في الركض مجددا. كان عمري نحو ثلاث سنوات ونصف السنة وكنت وقتها في مرحلة ما قبل الحضانة في مدرسة الراهبات الفرنسيسكان بمدينتي دمنهور. وفي ذات يوم نزلت من عمارتنا القاطنة في شارع لبيب محمود لأركب أتوبيس المدرسة, وما إن وصلت لباب العمارة حتي وجدت الأتوبيس يتحرك دون أن تتمكن صيحاتي من الوصول لأذن عم وديع السائق الذي سار في الشارع الطويل, فوجدتني, ومن دون تفكير في منطقية النجاح في المهمة, أجري وأنا أحمل حقيبة المدرسة وراء الأتوبيس غير عابئة بصيحات أبي- رحمه الله- الذي كان يقف في شرفة منزلنا بالطابق الخامس يطالبني بالعودة لأنني لن ألحق بالأتوبيس. ظللت أجري في شارعنا خلف الأتوبيس وأنا أمني نفسي بأن يراني عم وديع في المرآة فيتوقف ويلتقطني. ولكن هذا لم يحدث بل حدث شيء آخر مكنني من الصعود للأتوبيس, ليضحك أبي في شرفة المنزل شاعرا بالفخر بطفلته التي لم تأت ولدا كما تمني. أكمل لكم الحكاية...كان يقع في آخر شارعنا من ناحية اليمين مسجد السد العالي, كان أمامه عامود نور مربوط به حبل حمار يجر عربة قمامة خشبية تركها قائدها لجمع القمامة من العمارات المحيطة بالمسجد! ولكن قبل أن يصل عم وديع لنقطة الالتفاف في اتجاه اليمين, فك الحمار حبله المربوط في العامود فجأة ووقف في منتصف الشارع بشكل أعاق عم وديع عن إكمال مسيرته. مما اضطره لإيقاف الأتوبيس والنزول منه لإبعاد الحمار عن الطريق, وهو ما أتاح لي الوصول للأتوبيس والدق بكف صغير علي بابه, فرأتني مشرفته وفتحت الباب في تعجب ثم أجلستني ضاحكة وهي تقول: توقف الحمار من أجلك! بالطبع لم أدرك وقتها سوي أنني نجحت في ركوب الأتوبيس. ولكن أبي لم يتوقف عن سرد تلك الواقعة علي سمعي كلما شعر برغبته في قدرتي علي تخطي شيء ما, مؤكدا لي في كل مرة يقصها علي أن الله يقف بجوار من يبذل الجهد حتي لو ظن الجميع باستحالة تنفيذ المهمة. هكذا عشت حياتي أتذكر صورة الحمار وعدوي في الشارع, كلما استصعبت أمرا من أمور الحياة لأدرك فوق ما علمه لي أبي, حقيقة مهمة مفادها ببساطة أن الله لا يطلب منا امتلاك القدرة ولكن يطلب منا امتلاك صدق النية وإخلاص العمل, هو وحده من يمتلك القدرة وهو وحده القادر علي تنفيذ مشيئته إن أراد, لا يطلب الله منا إلا الجهد الصادق. وهكذا أدين للحمار بالكثير في حياتي. وهذا ما يطلبه وطننا اليوم منا جميعا, إخلاص العمل وصدق النية في حبه وعلي الله فلنتوكل. لا تستصغروا عملا يمكنكم تغيير الواقع به من حولكم. ولا تستصعبوا حلما لابد أن يبدأ الآن, الآن وليس غدا. أتذكر واقعة قرأتها في كتاب مشير النصر الذي يحمل مذكرات أحمد إسماعيل وزير الحربية في أكتوبر1973, حين روي أنهم طلبوا من قوات المشاة التي عبرت القناة بعد نجاح الضربة الجوية, بالصمود24 ساعة أمام قوات العدو لحين الانتهاء من بناء الكباري بين ضفتي القناة لعبور الدبابات والمدافع. بينما لم يكن مع تلك القوات سوي بنادق ومدفع مضاد للدبابات علي الظهر مداه600 متر, بينما مدي الدبابة لدي العدو3000 متر! ونفذت القوات ما طلب منها وأذاقت عدونا مرارة الهزيمة. فاصمدوا وثابروا وأخلصوا العمل من أجلكم وأجل وطنكم.