من لا يقر بتداخل وتمازج الليبيين مع المصريين, هذا التمازج الذي يصل درجة التماهي. ويخطئ من يقول إن هذا التداخل مقصور علي سكان شرق ليبيا; صحيح أن الترابط أوسع ولكنه بسبب القرب المكاني بين الشعبين. شيشنق مؤسس الأسرة الثانية والعشرين أمازيغي من جبل نفوسه, والمرحوم عبد الحكيم عامر, الذي كان عضو مجلس قيادة ثورة23 يوليو المصرية, ثم صار وزيرا للحربية, ثم نائبا لرئيس الجمهورية, ورئيس اللجنة العليا للسد العالي, ورئيس المجلس الأعلي للمؤسسات الاقتصادية العامة, ورئيس اللجنة العليا لتصفية الإقطاع, اسمه الحقيقي: عبد الحكيم عامر الترهوني الإدريسي! ولا أظن أن هناك مدينة في العالم اسمها ترهونه, غير تلك الموجودة جنوب غرب طرابلس, والتي يتسمي سكانها بها, وإن اختلفت قبائهم. والأدارسة دولة إسلامية قامت سنة974 م بالمغرب, وسقطت985 وانحدرت منهم سلالات عديدة كالسنوسيين المعروف دورهم في التاريخ الليبي, وأيضا الأمير عبد القادر الجزائري الذي حكم الجزائر حتي سنة1847 م, وبالمناسبة احفاده يعيشون في بنغازي تحديدا. لقد انتقيت هاتين الشخصيتين: شيشنق وعبد الحكيم عامر المؤكد أن جذورهم ليبية لبروزهما في التاريخ المصري القديم والحديث, وأنا اعرف مصريين كثيرين, منهم من كانوا زملائي في مدرسة الأمير, واعرف أنهم مصريون ولكنهم صاروا ليبيين, بل منهم من لم ير مصر اطلاقا. والحقيقة أن ليبيا, قبل تفجر البترول في صحرائها كانت بيئة طاردة بسبب الجفاف, أما مصر فهي بامتداد التاريخ وقدمه بيئة جاذبة, بسبب طبيعتها وخيرها. هناك الكثير من الأخبار والأحداث تشيء بأصول الكثير من المصريين الليبية, لعل أبرزها فيما رأيت ما قرأته في طبعة كتاب الأيام الأولي التي يقول فيها طه حسين, أنه كان يستمع إلي والدته تردد من أغاني الرحي بيته من شعر شعبي يقول: اللي يودني نودا ونا بالود زايد* واللي يصدني نصدا نين يحطوا اللحايد وهو بيت يتردد كثيرا في ليبيا في المناسبة نفسها, وأذكر أنني سألت المرحومة والدتي عنه فأكدت لي أنه من أغاني الرحي المتداولة. ولماذا أقول لكم ذلك؟ لأنني ببساطة,وجدت كتابا صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب2014 م للدكتور محمد أمين عبد الصمد, عنوانه القيم في الأمثال الشعبية بين مصر وليبيا, يتناول امثالا شعبية متداولة عندنا يوميا, وقد استعرض الأمثال نفسها المتداولة في قرية( الغرق) بالفيوم باعتبار انها شطر مقارنته في الجانب المصري, بينما اتخذ مدينة البيضاء الليبية نموذجا للجانب الليبي.والحقيقة أنني تعجبت من تطابق الأمثلة, أما مفردات اللغة, وكذلك اللهجة فأنا أعلم أنها متطابقة إلي حد كبير. لقد سمعت المرحوم الدكتور طه حسين يجيب في حديث إذاعي, عن سؤال يتناول اللهجات القريبة من اللغة العربية, فقال: إن لهجة أهل برقة هي اقرب اللهجات إلي اللغة العربية والمرحوم الدكتور علي الساحلي قدم للمكتبة العربية بحثا قيما قدم فيه مقارنة بين الشعر الجاهلي, وأغاني العلم المعروفة فكانت متطابقة إلي درجة العجب. والكتاب الذي اشرت إليه يقدم تفسيرا مقنعا لهذا التطابق, وهو أن القبائل الموجودة في الفيوم مثلا, لها روابط, متصلة شرق ليبيا, وكنت اظن, إلي عهد قريب, أن قبائل أولاد علي يعودون إلي أصول ليبية, غير أن الواقع يقول إن ما يوجد في لييبيا منهم هم من تعود اصولهم إلي من يوجدون في غرب مصر. لأن قبائل أولاد نزحوا من الجزيرة العربية, منهم من استقر في غرب مصر, ومنهم من وصل تونس, ولكن الكثير منهم عادوا إلي مصر. أيضا العديد من قبائلنا المعروفة, ذوي الأصول العربية, أغلبهم موجود في الفيوم, ولم تغادرها. صحيح أن من غادر منهم استقر في ليبيا, وصحيح أن عددا منهم عاد ولكن أصولهم واحدة؟ اليس هذا هو التماهي الذي أتحدث عنه؟ [email protected] كاتب ليبي