(جوناثان سويفت 1667-1745م) كاتب رحلات جيلفر الشهيرة، كتب على قبره، مثلما طلب: "هنا يرقد جوناثان سويفت، حيث لا يستطيع الغضب العنيف بعد الآن، أن يمزق قلبه" سويفت كتب مقالة شهيرة سنة 1701م عنوانها (فن الكذب فى السياسة) رأيت أن اقتبس لكم فقرات منها، آملا ألاّ تئول، أو تلصق بمن لم يخطر على بالى! همى من نقلها إليكم هو تأكيد أن البشر هم البشر، والثورات هى الثورات، والكذب هو الكذب، وشهوة السلطة والمال هى ذاتها، ولم يتغير شيء منذ 500 سنة! قارنوا ما ورد فى هذه المقالة، واستدعوا، فى مخيلتكم، ابطال ثورة تونس، مصر، ليبيا، وكيف أزيحوا ليبرز أخرون صاروا هم لسان حال هذه الثورات، بل منهم من يكرر على الملأ أنه من أشعل الثورة، والناس تعرف أنه لم يشعل سوى لفائف تبغه، عندما كان الابطال يتساقطون فى الساحات متبسمين، وهو يتلصص من بعيد يفكر كيف يجد له دورا يتناسب ومؤهلاته! قال سويفت فى مقالته: "الشيطان هو ابو الكذب، كذاب منذ بدء الخليقة. وأن أول مقال فى ذلك كان سياسيا خالصا. وعلى الرغم من أن الشيطان مخترع الكذب، قد فقد الكثير من شهرته بما أدخل على اختراعه من التحسينات المستمرة! صار الكذب فنا، طُوع للسياسة، ولكن لم استطع أن أحدد تاريخيا أول من جعله كذلك، ولكن سوف اقصر بحثى عن ظهور هذا الفن فى الجزء الجنوبى من جزيرتنا - يقصد الجزيرة البريطانية، وبمقدورنا ان نستبدل بالمكان الآخر من أماكن ثورات الربيع العربى وقد نختار طرابلس مثلا - ثم يقول بعد أن هزمت الآلهة عمالقة الشر، أنجبت الارض للانتقام منهم آخر ابنائها، وهو الشهرة، وتفسير ذلك أنه بعد ان تهدأ الاضطرابات والثورات فى البلاد، تنتشر الشائعات والأباطيل بين الناس، ويكون الكذب هو آخر تفريج عن النفس لحزب هالك، متمرد هزم هزيمة منكرة، ولكن الناس أضافوا أشياء أعظم أثرا باستخدام هذا الفن للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها. الكذبة السياسية تولد من رأس سياسى مهمل، ثم تسلم إلى الغوغاء لتربيتها وتدليلها ثم نشرها وتصير حقا ترفع صاحبها فيصير الحارس الأقوى للحزب، أو سمه ما شئت، فيفتح ممالك دون قتال، ويعطى الوظائف، أو يردها لشاغليها السابقين. ويرأس لجان الانتخاب، ويحيل اللون الأسود إلى أبيض ناصع، ويصنع من الكافر قديسا، ومن الخليع الفاجر وطنيا، ويضفى الذكاء على من يشاء من وزراء ويرغم آخرين على الاستقالة، ويرفع، أو يخفض شعبا بأسره. وترى أعدى أعداء الناس تزينهم شعارات الحرية، والثورة والتسامح والاعتدال وفى ايديهم اطباق الخير. ثم يختتم مقالته بفقرة عجيبة تقول: إن جزيرتنا قد خضعت قرابة عشرين عاما - نستطيع أن نستبدل الجزيرة وعدد السنوات بما يتناسب معنا! - لنفوذ حفنة من المستشارين والرجال، كانت مصلحتهم افساد سلوكنا، وإعماء قلوبنا، واستنزاف أموالنا، وهدم دستورنا ودولتنا، لنصل إلى حافة الخراب. تلك المخادعة فى إلباس الباطل ثوب الحق، اعجزتنا تماما عن التمييز بين أعدائنا واصدقائنا. لقد رأينا جانبا كبيرا من أموال الشعب يتسرب إلى أيدى أولئك الذين بحكم مولدهم وتعليمهم وقيمتهم، ما كان يجب أن يزيد طموحهم عن أن يكونوا من خدمنا، بينما كان حظ الآخرين، الذين رفعوا من شأن الثورة بمكانتهم وخلقهم وثرواتهم وقادوها إلى النجاح، إنهم لم ينح جانبا فحسب كرجال خطرين لا نفع فيهم، بل الصقت بهم تهما أقلها أن مبادئهم تنبع من أهوائهم. ليس لدى ما أضيف سوى أن المقالة[i] التى اشرت إليها كتبت منذ 500 سنة، فهل تذكركم بحال مشابه؟ [i] - المقالة من كتاب هوستون بيترسون روائع المقال مكتبة الأسرة 2012 القاهرة. ص. 49-54.