تساءل جيمس ريرسون المحرر بالنيويروك تايمز في مقاله بالجريدة ذاتها, هل يمكن أن يكتب الروائيون بشكل فلسفي ؟ فحتي أكثر الروائيين الذين يعرف عنهم أنهم يكتبون بشكل فلسفي قد أجابوا أحيانا بنفي قاطع علي هذا السؤال. فإيريس ميردوخ فيلسوفة أكسفورد ومؤلفة ما يزيد علي دستتين من الروايات التي تعالج موضوعات ثقافية رفيعة كالوعي والأخلاق قالت أن الفلسفة والأدب مسعان متناقضان, الفلسفة تدعو العقل التحليلي الي حل المشكلات المفاهيمية من خلال نثر صارم وصريح وغير أناني كما قالت لل بي بي سي في مقابلة عام1978 بينما يتطلع الأدب إلي المخيلة لتظهر لنا شيئا أسطوريا, غامضا, ومحدد عن العالم. وأي ظهور لأفكار فلسفية في رواياتها كان يتم علي شكل تأمل غير متصل بما تحكيه وتعرفه. فتقول إذا عرفت شيئا عن السفن التي تبحر, سأكتب عن السفن التي تبحر, وبشكل ما, انا كروائية, أفضل ان اعرف عن السفن علي أن أعرف عن الفلسفة. يقول الكاتب أن بعض الروائيين ممن لهم خلفية فلسفية يتذكرون كيف شعروا حين اصطدموا بوجة نظر إيريس المتصلبة لأول مرة, فريبيكا نيوبرجر جولدشتاين والتي نشرت روايتها مشكلة الذهن-العقل عام1983 بعد ان حصلت علي دكتوراة في الفلسفة شعرت بحيرة وخيبة أمل كبيرة فتقول ان كلام ايريس لم يكن حقيقيا جدا ولكن كيف لا تكون صادقة حيال سمة مركزية في حياتها الفنية والفكرية ؟ لا تزال ريبيكا وروائيون متفلسفون آخرون كويليام جاس وكلانسي مارتن ممزقين في العلاقة بين تخصصيهما. فكلا التخصصين يسعي الي أن يسأل أسئلة كبيرة, وأن يحددوا ويصفوا الحقائق الأكثر عمقا, وأن يشكلوا نوعا من النظام في قلب تشوش العالم. ويتساءل الكاتب هل كلا التخصصين متنافسين- المخيلة التي يحرضها العقل ضد العقل المنطقي ؟ أم أنهما عضوان في نفس الفريق يصارعان المشكلات نفسها من زوايا مختلفة ؟. تعرضت الفلسفة طوال تاريخها إلي الأدب بشك أو بغموض غير مريح. فكان أفلاطون عدوا صريحا للآداب متخوفا من قدرتها علي أن تنتج خرافات وخدع عاطفية قد تعطل مطلبنا لما هو حقيقي وصادق. كانت وجهة نظر أفلاطون متطرفة( لقد اقترح أن يقصي كتاب الدراما من دولته المثالية) ولكنه لم يكن مجنونا ليقترح بأن التخصصين كان لهما أهداف متناقضة. الفلسفة تكتب للنخبة, والأدب للعامة. الفلسفة تعني بالكليات والمجردات, والأدب بالمحدد والجزئي. الفلسفة تبدد الخرافات, والأدب يخلقها. معظم الفلاسفة كانوا قلقين من الخاصية الجمالية في حد ذاتها. فهي تقول شيئا عن الفلسفة وهي أن اثنين من أعظم كتابها, أرسطو وكانط كانا كاتبين سيئين للغاية. بالتأكيد تعارضات كهذه ليست بسيطة أبدا, فأفلاطون نفسه وبطريقة مثيرة للعجب كان أديبا لامعا, نيتشة وشوبنهاور وكيركجارد كانوا كلهم كتاب أدب رائعين بنفس قدر قوتهم في الفلسفة. فلاسفة ك جان بول سارتر وجورج سانتيانا كتبوا روايات بينما روائيين كتوماس مان وروبرت موسيل كتبوا أدبا خياليا بكثافة الإلماع الفلسفي. حتي أن البعض اقترح ولو علي سبيل المزاح أن الأخوين ويليام وهنري جيمس, ويليام الفيلسوف كانت كتابته اكثر روائية بينما هنري الروائي كان أقرب إلي أن يكون فيلسوفا, يقول الخبراء أنه إذا كان يقال عن ويليام أنه أقرب إلي أن يكون روائيا فذلك لأنه يعتقد عنه بشكل أوسع- ولكن خطأ- أنه يكتب بشكل أفضل ويقول الفيلسوف جيري فودور إذا كان هنري فيلسوفا أكثر من كونه روائيا فذلك لأنه يعتقد عنه وبشكل واسع- لكن خطا- انه يكتب بشكل سيء. ديفيد فوستر والاس والذي درس مقرر الدكتوراة للفلسفة في جامعة هارفارد لفترة وجيزة بعد كتابة أطروحة فلسفية من الدرجة الأولي قبل التخرج نشرت في ديسمبر بجامعة كولومبيا بعنوان القدر, الزمان واللغة أعتقد بأن الخيال قد قدم طريقا للإمساك بالمزاج العاطفي في عمل فلسفي. والهدف هو كما شرحه في مقال له عام1990 لم يكن جعل الفلسفة المجردة مفهومة بتبسيط أفكارها لجمهور عريض ولكن أن يفهم كيف يمكن أن نعيد خلق ردود الأفعال الذاتية للقراء حيال نص فلسفي. ولكن لسوء الحظ فقد أعلن والاس أن أكثر رواياته فلسفية وهي أولها مكنسة النظام والتي تتضمن أفكارا للفيلسوف فتجنشتين قد فشلت من في أن تحقق هذا. ولكنه اعتقد بأن آخرين قد نجحوا في ان يكتبوا بشكل فلسفي خصوصا ديفيد ماركسون الذي امتدح والاس روايته الكئيبة والمجردة والوحدويةعشيقة فتجنشتين لنجاحها في إستدعاء روح الغموض والتجرد في فلسفة فتجنشتين المبكرة. اعترف الروائي ويليام جاس الذي حصل علي الدكتوراة في الفلسفة من جامعة كورنيل ودرس الفلسفة لسنوات عدة في جامعة واشنطن في مقابلة معه عام1976 بمقاومته للصرامة الأكاديمية التحليلة التي لديه ويقول لقد كرهتها بأشكال عدة ولكنه ثمنها في النهاية كنوع من التمرين المقوي للعقل. وهو كميردوخ اعتبر أن تأثير تعليمه الفلسفي علي الكتابة الخيالية التي يقدمها لا يكاد يذكر. قائلا أنا لا أزعم أنني أعالج القضايا بحس فلسفي ولكن علي العكس من ميردوخ ووالاس وجاس فريبيكا جولدشتاين التي جاءت روايتها الأخيرة بعنوان36 حجة علي وجود الله معالجة لأسئلة فلسفية بشكل مباشر وبدون حرج في روايتها وغالبا ما تنشأ النقاشات أو الحوارات بين أشخاص الرواية الذين هم في غالبيتهم فلاسفة أو فيزيائين أو رياضين ولكنها تقول ان الجزء الذي تتفق فيه مع ميردوخ هو تأكيدها علي ضرورة الحفاظ علي حرية الجزء الذاتي في الرواية آمنا وبعيدا عن البحث الفلسفي عن الحقيقة. وتضيف ان هذا مصدر كبير للتناقض الداخلي فهي تأتي من خلفية تحليلية صلبة: فلسفة العلوم والمنطق الرياضي وتؤمن بالموضوعية المثالية, ولكنها أصبحت مقتنعة علي مر السنين بما يمكن أن نسميه سيكولوجيا الفلسفة فالكيفية التي نعالج بها المشكلات الفكرية تعتمد وبشكل نقدي علي من نكونه نحن كأفراد وبنفس القدر علي وظيفة المزاج المعرفي. فتضمين النقاش الفلسفي في قصص إنسانية متخيلة غنية ينقل منظورا أساسيا من الحياة الفكرية. فأنت لا تفهم أبدا لمشكلات المفهومية ولكنك تشعر بالمشكلة. ولكن البعض لا يريد أن يضمن الأفكار الفلسفية بشكل علني في رواياته, الرواية الأولي لكلانسي مارتن كيف تبيع2009 قصة مليئة بأحدث المخدرات والجنس وتجارة الماس تدور حول شخص تسرب من التعليم ويعمل مع أخيه الأكبر في تجارة المجوهرات وقد تم الإحتفاء بها من جانب النقاد كثيرا لم تكن الأفكار الفلسفية عادة, مارتن وهو أستاذ الفلسفة بجامعة ميسوري فقد نسج داخل الرواية التي تدور في أساسها عن أساليب الخداع نسخة مميزة من مجادلة الفيلسوف الألماني كانط عن الحق في الكذب لكي تنقذ حياة شخص ما, وتصنيف أرسطو الرباعي للكاذبين ونظرية نيتشة عن الخداع( وهو موضوع الدكتوراة الخاصة بمارتن) ولكن أحدا لم يلاحظ فالعديد من النقاد قالوا: لم أتمكن من تركها أبدا ستقرأها في ثلاث ساعات فقط! ويعلق مارتن قائلا أحسست وكأنني وضعت الكثير من السرعة في كرة سريعة أصلا, وأعني أنه ليس لأنك قد قرأتها في ثلاث ساعات أنه يجب عليك فعل ذلك أو أنه لا يوجد شيء يختبيء وراء هذا السطح البسيط للرواية. وهنا يبرز التساؤل الأهم وهو سؤال فلسفي هل يمكن أن نكتب روايات فلسفية دون أن يعرف أحد هذا ؟