لم أر من أنثى. كانت تجلس بمنضدة بمواجهتى. سوى عينيها الواسعتين الكحيلتين، وإن كنت قد رأيتٌ عبرهما كل مفاتنها! وتململ الشيطان بعد أن تعوذت منه، ولكنه ظل يحوم غير بعيد عنى. تشاغلت بمراقبة اطفال يمرحون فى ساحة مخصصة لهم فى ذلك (المول) الحضارى. وضع النادل قهوتى أمامى. وذهب نحوها بكوب عصير ملون وكعكة طرية مغمورة بالشكولاتة والمربى. تذكرت بيت شعر ساخر سمعته من أحد أصدقائى مداعبا صديقا مشتركا اسمر البشرة: عيناك الساحرتان بحران من (الزقاطه) × × ولماذا تناكفنى يا سكر و(شوكولاطه)؟ همس الشيطان فى أذنى قائلا: "انت لا تتصور فرحة الشكولاتة بثغرها؟ آه لو ترى اكتنازه! هل أصفه لك؟ " تعوذت منه بصوت مسموع فابتعد عنى وجلس بجوارها، بعد أن أكدا لى أنه يعلم أن الناس لا يرون من وراء الخمار الأسود إلاّ ما يثير غرائزهم! أمسكتْ ذات العينين بإبهامها والسبابة قطعة من الكعكة وأدخلتها من بين وجهها والخمار اللعين نحو شفتيها. اكتفيت بتخيلهما من دون مساعدة الشيطان! ولم اعد قادرا على مراقبة الأطفال. ثم حاصرنى قول السيدة عائشة بنت طلحة بن عبدالله، أحد المبشرين بالجنة، أما جدّها لأمها أم كلثوم الخليفة أبوبكر الصديق وابنة خالتها السيدة عائشة أم المؤمنين. والسيدة ابنة طلحة هذه، خرجت سافرة الوجه وعندما عاتبها زوجها مصعب بن الزبير، قالت له: "إن الله تبارك وتعالى وسمنى بميسم جمال أحببت أن يراه الناس ويعرفون فضلى عليهم، فما كنت أستره والله ما فى وصمة يقدر أن يذكرنى بها أحد". وددت لو كان بمقدورى أن اقول للسيدة ذات العينين الساحرتين إن الله لم يخلقنا فى احسن تكوين لنخجل من وظيفة الأكل وإلا لترك ستر افواهنا للأقمشة الصينية، والله لو أراد للجمال أن يُخفى لحجب عنا رؤية الأزهار والحملان ثاغيه جذلانا فى الربيع والعصافير تجوب سماواته الرحيبة وضحكات الأطفال البريئة. الجمال خلقه الله ليذكرنا بقدرته على إبهاجنا. أما ما قد يخطر ببالنا نحن أو يخطرنا الشيطان به، فذلك أمر نحن المسئولون عنه. كان مراقبة مشهد تناولها للكعكة مزعجا، قبيحا شوه الصورة التى رسمتها لثغرها! فحاصرنى سؤال أربكنى: هل هدف هذا الخمار هو افساد خيالى الذى قد اثاره (الشيطان) وأفسدته طريقتها فى تناول الكعكة؟ ام انه عمل لا علاقة له بالله، ابتكره مفسرون رزقهم الله بزوجات جميلات ارادوا حجبهن عن الناس؟ أم هو فرض حقيقى، أغفلنى الله عنه؟ وأن ما حدث هو إشارة ربانية تدعونى لمعرفة حقيقة هذا الأمر؟ كنت قد وصلت بيتى. وكنت قد قررت أن ابحث لعلنى أجد إجابة لحيرتى؟ وشرعت أبحث بمنهج قارئ يعلم أن الإجابات فى عقولنا وفى تفكرنا وتدبرنا. وأيضا، فى كتب التاريخ. فقرأت منها ما توافر لى عن هذا الموضوع. إليكم ما وجدته بعيدا عن وجهات النظر الأحادية من دون زيادة أو نقصان، وسوف لا أطيل ولا أسهب بل انقل لكم خلاصة الخلاصة من دون تفلسف أو تنظير، آملا أن تجدوا، فى هذه المقالات التسع، التى سوف ألخصها إلى حد يبعد ملل التكرار، محاولا أن أضع القارئ الكريم على الطريق الذى يقوده نحو التوسع، بل والتخصص. سوف أنشر هذه المقالات تباعا، آملا أن تجدوا بين سطورها ما قد يفيدكم، أو على الاقل يسليكم. الزقاطة: تعنى فى اللهجة الليبية الحيلة.