هكذا وضع العلماء شروط البحث العلمي الحديثة المتفق عليها في المعاهد البحثية, في العصر الحديث, وأهمها توافر المصادر العلمية, وسلامة الباحث, بل إن علماء المسلمين تفوقوا علي علماء اليوم, فقد أنشأوا علم الجرح والتعديل ووضعوا ضوابط علمية للجرح والتعديل, وتتبعوا رواة الحديث من حيث سلامة مصادرهم, وسلامة عقولهم وقدرتهم علي الحفظ, ومدي تمتعهم بالعدالة المطلوبة لقبول الرواية.إذن لم يقبل الحديث من أي راو, كما يصور ذلك جهلاء القوم, وخفافيش الظلام. وتوافر الشروط العلمية لقبول الحديث, مسئولية كل باحث, فمن كتب الموطأ بحث في توافر الشروط العلمية لقبول الحديث, ومن كتب المصنف, كذلك, ومن كتب المسند أيضا, وهكذا, ولا يعتمد باحث علي آخر في توافر الشروط, بل عليه مسئولية شخصية في البحث عن صحة الحديث المروي عن حضرة سيدنا رسول الله, صلي الله عليه وسلم, ليتأكد من صحة الحديث, أو ضعفه, أو إنه موضوع. فكل كاتب ممن كتب الحديث قام بمجموعة من الأبحاث للتأكد من صحة الحديث, ولا يعتمد علي غيره ليكون مرجعا له, فالإمام البخاري, رضي الله عنه, لم يكن أول من جمع الحديث, ولكن يعود له الفضل في التشدد في تطبيق الشروط العلمية لجمع الحديث الصحيح, دون الضعيف, كما أنه جمع الحديث مبوبا علي أبواب, كباب الزكاة, وباب الصلاة, وقبل ذلك لم يكن مبوبا علي أبواب, وكذلك الإمام مسلم أفرغ الوسع في جمع الأحاديث الصحيحة, دون الضعيف, ومبوبا, وكان قبل ذلك تجمع الأحاديث الصحيحة مع الضعيفة, وجمع الأحاديث الصحيحة من الضعيف, ويكتب ذلك معلقا علي الحديث, وكان لا يخفي علي جميع العلماء الفرق بينهما, فالفرق بين الصحيح والضعيف واضح عند العلماء كوضوح الشمس في كبد السماء, ولكن يعود الفضل للإمام البخاري وللإمام مسلم, في جمع الأحاديث الصحيحة فقط معا في كتاب. لا تجد تراثا إنسانيا ظل محفوظا في الصدور ومكتوبا, وفي حراسة جمع غفير من المؤمنين, وعند جمعه بعد ثمانين عاما, أجريت عليه أبحاث علمية, لا حصر لها, للتأكد من صحته, إلا سنة سيدنا رسول الله, صلي الله عليه وسلم. وليس هناك تراث إنساني طبقت عليه الشروط العلمية, وقام المؤمنون بوضع كتب للصحيح, وكتب للضعيف, وكتب للموضوع, إلا سنة سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم