يقول خبر أوردته صحيفة الشرق الأوسط بصفحتها الأخيرة بالعدد13475: إن مجهولا أعاد إلي مكتبة بولاية أوريجون الأمريكية كتابين استعارهما يوم1963/1/3 أي بعد أن احتفظ بهما52 سنة! وبالصفحة نفسها, يقول الكاتب الكبير سمير عطاالله في عموده اليومي أنه انتبه إلي أن سائقي التاكسي( الألمان) المصطفين أمام محطات القطارات,أو الفنادق,غالبا ما يكونون جالسين في سياراتهم,مستغرقين في قراءة كتاب,فيما يتجمع,في المكان نفسه,السائقون العرب يتحدثون عن كل شيء إلا عن الكتاب! ويشير إلي الأستاذ الجامعي,الذي تولي وزارة الخارجية الألمانية( يوشكا فيشر) لمدة سبع سنوات,الذي عندما كان سائقا لتاكسي,لا يفارقه كتاب عندما يكون في انتظار دوره! ثم يشير الكاتب إلي تكرر تساؤل المسلمين,والعرب كافة,عن سبب تخلفنا وتقدم الآخرين؟ لعلني لا أبتعد كثيرا عندما أقول إن عزوفنا عن القراءة,قد يكون هو السبب الرئيسي لهذا التخلف! آخذين في الاعتبار إشارته إلي تصريح العالم المصري الكبير رشدي راشد,الذي قال في لقاء تلفزيوني: أن أول شيء فعله الاستعمار في مصر هو إغلاق كلية العلوم!. هذا بالتأكيد سبب أساسي فلا شيء يكبل الشعوب ويركعهم مثل تجهيلهم! والتجهيل لا يكون فقط بقفل الجامعات,وإنما بقفل المكتبات الحقيقية,المنفتحة علي العالم كله بمختلف اتجاهاته ومعتقداته وأفكاره! فلا شيء يؤلم المواطن الذي يعلم أهمية القراءة,أكثر من اكتشاف مكتبة أغلقت أبوابها,وتحولت إلي محل( كشري). صحيح أن وسائل المعلومات تنوعت وصارت أكثر سلاسة وبساطة وسهولة,وصحيح أنها أبعدت خير جليس,ولكنها لن تكون بديلا عنه,ومن منا ليس مقتنعا بتقدم العالم الغربي في مجال التكنولوجيا الإلكترونية للمعلومات,ومع ذلك مازال للكتاب,عندهم,ركنه المعتاد في البيت,ومتعته في القطارات ومازالت دور النشر تصدر كل يوم جديدا,فيما انقطع الود بيننا وبين الكتاب. وعلي الرغم من ازدهار الحركة الثقافية في الإسكندرية,علي سبيل المثال,منذ سنة332 ق.م وأن التاريخ يقول إن الشرق الأوسط ساهم بشكل كبير في انتشار العلم والمعرفة,في الوقت الذي كانت اوروبا تعيش عصورها المظلمة,وإن أمريكا لم تكن موجودة أساسا,إلا أن عدد جامعاتها بلغ حتي الآن:5758, فيما بلغ عدد الجامعات,ليس في الشرق الأوسط وحده وإنما في العالم الإسلامي كله,وهو المتكون من57 دولة:502 جامعة! ليس من بينها جامعة واحدة مصنفة ضمن الخمسمائة الأوائل من جامعات العالم!. والإحصائيات هي التي تجيب عن سبب تخلفنا وتقدم الآخر:فالذين يعرفون القراءة والكتابة في العالم الغربي90% وفي عالمنا40%, وليس هناك دولة واحدة من دولنا أميتها ممسوحة100%, فيما هناك15% من دول الغرب مواطنوها يجيدون القراءة والكتابة بنسبة100%. و40% من مواطني اوروبا وصلوا الجامعات في حين من وصل من عالمنا نسبة2% فقط! والعالم الغربي يصرف5% من دخله علي الأبحاث والتطوير,ونصرف نحن0.2% من دخلنا علي الموضوع نفسه. إصدارات الكتب السنوية في بريطانيا2000 كتاب لكل مليون نسمة. في مصر17 كتابا لكل مليون نسمة. في الباكستان23 صحيفة يومية لكل1000 مواطن,وفي سنغافورة460 صحيفة لكل1000 مواطن,وأنا لا أعرف تحديدا كم صحيفة يومية لكل1000 مواطن مصري باعتبار أنها أكثر البلدان العربية إصدارا للصحف,ولكنني أعرف أن الهيئة القومية المصرية للترجمة ترجمت سنة2000 عدد180 عنوانا من الثقافات الأخري,ولكنها لم تترجم كتابا واحدا من كتبنا إلي لغة الآخر! كل ذلك سبب في عدم القدرة علي إنتاج المعرفة,فانطلقوا هم إلي الأمام,وعدنا نحن نبحث عنها في كتب الماضي!. وأنا أقصد ماضيا من مئات السنين وليس ماضيا عمره52 سنة,فلقد اعترفت مكتبة أوريجون أنها لا تدري ماذا تفعل بالكتابين اللذين ذكرتهما في مطلع هذا المقال لأنهما اصبحا لا يتماشيان مع روح العصر الحديث! فهل وصلت فكرتي؟ كاتب ليبي [email protected]