تعبر مصر بدءا من يوم18 أكتوبر نحو برلمان جديد يسترد حق التشريع من الرئيس عبدالفتاح السيسي, تتنافس فيه قوائم وآلاف المرشحين, قوي وتيارات يجمع بينها تأييد مسار ما بعد30 يونيو وتختلف بدرجة محدودة في تصوراتها لها. تبدو مهماته خطيرة وإن بدت المعركة أقل سخونة من سوابقها الأربعة منذ25 يناير, وأقل ضجيجا كذلك, ولكنها ليست أقل أهمية, فهذا البرلمان سوف يقر برنامج الحكومة الحالية.. حسب الدستور المصري في يناير سنة2014 مهمته الأولي سياسيا بعد انتخابه علي الموافقة علي برنامج الحكومة والذي يترتب عليه تجديده الثقة في الحكومة القائمة, ولا يقوم بتشكيل الحكومة أو نزع الثقة منها. وحسب الواقع السياسي تبدو ثاني المهمات/التحديات للبرلمان المصري القادم هي معالجة الكثير من المسائل أولها احتمالات معالجة حالة الانفلات الإعلامي في مصر, وازدياد حدة الاستقطاب والنقد المتبادل بين مختلف التيارات, وكذلك مواجهة احتمال صعود التيار السلفي في البرلمان مما قد يهدد مسائل المواطنة والحريات الفكرية والعقدية حسب مراقبين. كذلك من التحديات التي تواجه هذا البرلمان مسألة التوافق بين التيارات المختلفة المؤيدة لمسار,30 يونيو والرئيس عبدالفتاح السيسي, مخاوف البعض من سيطرة قائمة في حب مصر وحزب حماة الوطن الذي يشاع قربه من الرئيس علي دوائر القوائم بدرجة أكبر واحتمالات أقل لفوز المستقلين والقوائم الأخري. وتبدو مسائل التنمية وجذب الاستثمار واقتراح مشاريع قوانين جديدة في مكافحة الإرهاب وجذب السياحة من أولي المسائل التي تقع علي أجندة مجلس النواب القادم في مصر. وتواجه البرلمان القادم مشكلات ومعضلات أمنية قديمة, مع صحوة الإرهاب وعنفه الصاعد في سيناء في الشهور الأخيرة, رغم تراجعه أمام الاستراتيجية الأمنية المصرية, وتبدو تشريعات الإرهاب وتجفيف روافده من أولي المسائل التي تستدعي دعم ومناقشة البرلمان القادم الذي لن يخلو من إسلاميين بطبيعة الحال. ويبدو دعم الحكومة في خطواتها لمواجهة الإرهاب علي رأس المسائل التي يتوقع أن يتخذ فيها مجلس النواب القادم العديد من الإجراءات, بعد استرداده سلطة التشريع من السيد الرئيس الذي سعي لذلك منذ فترة انتخابه والتي بلغت حتي نهاية مايو2015, نحو510 قرارات وقوانين شملت قرارات وقوانين صادرة من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء عددها103 قرارات وقوانين,وقرارات صادرة من وزير الداخلية عددها185 قرارا,وقرارات صادرة من وزير العدل عددها221 قرارا,وصدر من النيابة العامة قرار واحد. ورغم تحفظ بعض قوي30 يونيو علي بعض هذه القرارات وإصرار بعضها علي مناقشتها يبدو التحديد الأمني وتحدي صعود الإرهاب إحدي القضايا ذات الأولوية علي أجندة البرلمان القادم. كذلك برأينا من مهمات البرلمان القادم صياغة مشروع قومي مصري يتيح لمصر الخروج من أزماتها الاقتصادية والسياسية والإقليمية المختلفة, ودعم دور مصر في مشاكل الإقليم. و رغم غلبة تيار التأييد علي توجهات المرشحين علي مختلف أصنافهم باستثناءات قليلة, لكن يبدو أن الوقت في مصر لم يعد للتأييد أو التهليل فقط ولكن للنقاش والمحاسبة والمراقبة, حتي تسترد الدولة كامل عافيتها وتصلح ما فسد من بعض أجزائها وترشد ما يحتاج الرشاد من أجهزتها. نحتاج برلمانا قادرا علي النقد وقادرا علي الاختلاف وعلي العمل, يقدم العام علي الخاص والوطن علي الجماعات والسياسات علي الذوات.. نريد برلمانا يجمع ولا يطرح, ويضيف لمصر طاقة تساعدها علي العبور من أزماتها ومشاكلها.. نريد مشروعا ثقافيا وقوميا وتنويريا.. نريد إعلاما موضوعيا.. نريد بحثا علميا وثقافة علمية.. نريد فصلا بين السلطات وقضاء مستقلا وجامعات مستقلة.. نريد مصر التي تناسب المستقبل وأبناءنا فيه.