يتعرض العرب كأمة واحدة الي هجمات شرسة ومنظمة لم تقتصر علي الغزو العسكري المباشر بعيدا عن القرارات والأصول الدولية, وانما الي أنواع من التدخل غير المسبوق من القوي التي تذرف الدموع علي الأحوال العربية وقد كانت هي أحد الأسباب الرئيسية فيما وصلت اليه من تنامي العنف وانتشار الفوضي التي وصفوها بالخلاقة في حين أنها المدمرة للحاضر والمستقبل. تحمل ذاكرة الأجيال الحية أن اللحظات الفارقة في تاريخ العرب عندما توحدت ارادتهم وكان لهم صوت وقرار واحد, اهتزت الدنيا وأدركت دوائر صناعة القرار في الدول الكبري وخاصة تلك التي لديها مخططات للهيمنة وبسط النفوذ أنه ينبغي اعطاء الأولوية لإحداث الفرقة وزرع الخلافات بين الدول العربية, وللأسف نجحت محاولاتهم وسادت أجواء ضبابية في العلاقات العربية العربية نتيجة ملفات كثيرة ومتعددة تصب جميعها في الناحية السياسية. وعندما وقعت كارثة صدام حسين بالقرار المشئوم بغزوه للكويت, اصيبت الأمة العربية بطعنة نافذة لا يزال جرحها نازفا حتي الأن, وتوالت الكوارث والأزمات السياسية العاصفة لتشمل لبنان والسودان واليمن وتونس بالاضافة الي الجرح الاساسي في فلسطين. ولسنا في حاجة لشرح أبعاد تلك الملفات القابلة للانفجار في أي وقت مما يعني استنزاف ما بقي من طاقات الأمة وثرواتها. وليت الأمر يقتصر علي الخلافات الداخلية بين أبناء الشعوب العربية ولكن الأخطار الخارجية تعمل هي الأخري علي صب الزيت فوق النار لتزداد اشتعالا من خلال أدوات الهدم للنظام العربي انتقاما مما مضي وتأكيدا لعدم قيام قوة عربية في الأفق المنظور. ووسط هذه الاحباطات والصورة القاتمة خرجت الي الوجود الدعوة الجادة لنقل الحلم العربي إلي المسار الاقتصادي بديلا عن الحالة السياسية البالغة التعقيد, وكلنا نذكر ما قاله الرئيس حسني مبارك قبل سنوات من ضرورة قيام السوق العربية المشتركة بعيدا عن الخلافات السياسية, ولو سارع العرب بالتفاعل مع تلك الدعوة لتغيرت معطيات كثيرة علي أرض الواقع ولتحول العرب الي كيان اقتصادي يحسب له ألف حساب علي امتداد الساحة الدولية. وبدون البكاء علي اللبن المسكوب نقول بكل الصدق الذي يأخذ في الاعتبار المتغيرات السريعة التي تحدث حولنا: أن القمة الاقتصادية التي تشهدها شرم الشيخ اليوم تمثل المحطة الأخيرة للحلم العربي الذي فرضت الأحداث أن يتقلص من الوحدة الشاملة التي كانت أملا في يوم من الأيام, ليصبح ممكنا قيام الكيان الاقتصادي العربي القادر علي تلبية احتياجات شعوب الأمة والحامي لمصالحها الخارجية. اننا لا نطلب المستحيل من القادة العرب, ولا ندعو للحل الفوري والنهائي لكافة المشكلات والخلافات القائمة علي الرغم من خطورتها وتداعياتها المتزامنة مع استمرار الاطماع التي باتت واضحة المعالم من قوي اقليمية وعالمية تستبيح الساحة العربية وتجعلها منطقة للصراع البعيد عن مصالح شعوب المنطقة, وكل ما نتطلع اليه انطلاقة صادقة تسابق الزمن لتعويض ما فات حفاظا علي أمن واستقرار أصبح مهددا بفعل العوامل الاقتصادية وليس السياسية وحدها. والنظرة السريعة علي ما تمتلكه هذه الأمة يؤكد أنها تستطيع أن تغير أحوالها تماما, والتكامل بين رؤوس الأموال الهائلة العربية الموجودة في البنوك الأجنبية والمعرضة للمخاطر وبين الموارد الطبيعية والأيدي العاملة من شأن ذلك كله قيام كيان اقتصادي عملاق يغير موازين القوي الدولية, وكما اسلفنا ليس الهدف استعراض القوة وتهديد مصالح الأخرين وانما حماية المصالح العربية أولا وقبل كل شئ. لم يعد منطقيا علي الاطلاق استمرار الأوضاع الاقتصادية داخل البلدان العربية علي حالها الراهن, ففي الوقت الذي نعاني فيه من هجرة الشباب العربي الي أوروبا بحثا عن فرصة عمل نجد الالاف بل والملايين القادمين للعمل بدول الخليج من خارج الوطن العربي, كذلك المشروعات التي يقيمها رجال الأعمال العرب في الخارج الأولي لها أن تتجه الي أرجاء الوطن الكبير من الخليج الي المحيط. ويقينا فان التنسيق والتكامل العربي سيؤدي الي انشاء شركات عالمية في مجالات صناعية مختلفة وفي الطيران والنقل والمقاولات وغيرها ولنا بالفعل خبرات ممتازة يمكن توظيفها واستثمارها بالشكل الأمثل اذا توحدت الامكانات والطاقات المتاحة. ولو مضينا بالحلم العربي في مساره الاقتصادي البعيد عن السياسة وتعقيداتها سنجد أنفسنا أمام خزانات الوقود في الخليج ومخزون الغذاء في مصر والسودان, وصناعات واعدة يمكنها الوصول للعالمية بالامكانات الاضافية من عائدات النفط لتقام في تونس والمغرب صناعات تعتمد علي زيت الزيتون وفي العراق أفضل أنواع التمور وفي مصر الكثير من المنتجات والمجالات القابلة للاستثمار الذي يعطي عائدا يفوق نسبة الفوائد في البنوك العالمية. نحتاج الي رؤية جديدة وجادة تمنح المواطن العربي فرصته في حياة أفضل وهو لا يقل حيوية وعطاء عن مثيله في أي دولة أخري, وأن تتعامل هذه الرؤية مع حقيقة امتلاك العرب لأهم الأسواق الواعدة خاصة اذا تكاملت وخضعت لقوانين واحدة تجبر الآخرين علي احترامها ومراعاة مصالحها. ولا شك أن وجود عدد من المستثمرين ورجال الأعمال في القمة سيضع القادة العرب أمام القرارات المطلوبة تشجيعا لهم ودفعا لطاقاتهم بما يخدم المصالح العربية العليا لأن للقطاع الخاص الدور الاساسي الذي ينبغي تشجيعه بعيدا عن حملات الكراهية ضده والتي تحاول اعادة عقارب الساعة الي الوراء. إننا نتطلع الي قمة شرم الشيخ بمزيج من الأمل والخوف, اما الأمل فهو نتاج الاهتمام الذي يوليه الزعماء وفي مقدمتهم الرئيس مبارك لهذه القمة, اما الخوف فهو لإمكانية ضياع الفرصة الأخيرة بفعل ضجيج السياسة وصخبها المتصاعد في أكثر من مكان علي الساحة العربية.