جدد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل, دعوته إلي ضرورة إقامة علاقات طبيعية بين القاهرة وطهران, مشيرا إلي أن مصالح الدول لابد أن تدار بفهم واضح للمصالح المشتركة, مطالبا بضرورة تعزيز الادارة في مؤسسة الرئاسة, من خلال الدفع بعناصر مليئة بالشباب حول الرئيس, تختص بالتعامل مع مثل هذه الملفات المهمة. ووصف هيكل العالم العربي بأنه تائه وأنه بات مطالبا بالوصول إلي أوضاع مدنية أكثر ديمقراطية, وأن يبحث بطريقة أخري عن مصالحه الحيوية, في زمن يعيش مرحلة إعادة نظر في كل شيء, مشيرا إلي أن الاحداث الجارية في المنطقة اثبتت اننا أصبحنا أمام وطن عربي ضاقت فيه موارده عن طموحاته, وسادت به فترة من التململ, بعدما ارتكب زعماؤه أخطاء تاريخية بغير حدود. وقال الكاتب الكبير إن العالم العربي تعرض خلال العقود الأخيرة لمشاكل فقر وطبقية مرعبة, إلي جانب قهر نظم عسكرية كثيرة, وبخاصة في سوريا, مشيرا إلي أن كل هذه العوامل, أدت إلي ما وصلت اليه المنطقة الآن من أحوال, ومن بينها ظهور ما يسمي بتنظيم داعش الذي خرج من حالة الفراغ التي ضربت العالم العربي, فتفككت أواصره, وظهر به العديد من الثغرات مثلما حدث في العراقوسوريا, إلي جانب خروج القضية الفلسطينية من دوائر الاهتمام, بعدما ظلت فلسطين تمثل القضية الموحدة للأمة العربية. وكان الكاتب الكبير يتحدث ليلة أمس لفضائية سي بي سي, في مستهل سلسلة حوارات مع الإعلامية لميس الحديدي, عندما عرج علي العديد من الملفات الساخنة في المنطقة العربية, وفي مقدمتها ملف الأزمة السورية, واصفا دخول روسيا إلي ساحة الأزمة, بأنه حولها إلي طرف فاعل في المعركة, وقال هيكل إن الرئيس الروسي بوتين عندما قرر الدخول علي خط الأزمة عسكريا, كان يرغب في رد كرامة بلده, مشيرا إلي أن روسيا انتهزت فرصة تراجع القوة الأمريكية, ولحظة ضعف أوروبا, وحالة الفراغ في آسيا والوطن العربي, فأرادت إثبات قوتها تجاه العالم الخارجي, وقال هيكل إن ما يفعله بوتين الان في سوريا, لا يستهدف فقط مساندة طرف من اطراف الصراع في سوريا, وانما لكي يثبت للعالم أن روسيا في هذا العصر, وفي هذا الوقت تستطيع, وأنها علي قدم المساواة مع الولاياتالمتحدةالامريكية. وأرجع هيكل انفجار الأزمة في سوريا علي هذا النحو, إلي نظام الحكم في سوريا, مشيرا إلي أن هذا النظام مكث في الحكم أكثر من اللازم, معتمدا في ذلك علي ظروف الحرب الباردة وما بعدها, رغم كونه نظام أقلية, مشيرا إلي ما أصبح علي هذا النظام من فواتير ومستحقات لن يكون بوسعه سدادها. وقال الكاتب الكبير إن المشكلة الكبري التي تواجه الرئيس السوري بشار الأسد تتمثل في أنه دخل في صراع أكبر منه في دائرة كبري, مشيرا إلي أنه أصبح رجلا بلا مستقبل, وأن المعارضة الموجودة في سوريا أيضا ليس لها مستقبل. ووصف هيكل سوريا بأنها ظلت باستمرار موضع صراع في العالم العربي, لكونها تمثل نهاية الامتداد الآسيوي الذاهب إلي البحر من عمق آسيا, مثلما هي الأقرب في الشرق الأوسط لجنوب أوروبا, ومتصلة عضويا بالوطن العربي, وهو الموقع الذي جعل منها بؤرة فوران باستمرار, وموضع انطلاق دعوات التغيير في العالم العربي, وقال هيكل إن من يستولي علي سوريا, ويصل إلي قلبها في أي مرحلة من مراحل التاريخ, يكون دوره أكبر في المنطقة. واعتبر هيكل أن السلاح النووي أحدث نوعا من التوازن بين اللاعبين الكبار في العالم الآن, معبرا عن اعتقاده بأن بوتين أدرك أن أمريكا ليس بوسعها القيام بشيء, فقرر التدخل العسكري في سوريا, مشيرا إلي أن تلك الخطوة لو حدثت في وقت بوش, كان سيكون لها عواقب مختلفة. وأضاف هيكل: شعر بوتين بضعف الولاياتالمتحدة, وأن أوروبا مهتمة بالتعايش, وأدرك أنه يستطيع التدخل بشكل محسوب, في وقت مناسب للتدخل, ليس من أجل السيطرة, ولكن من أجل دفع سيطرة محتملة. وعرج هيكل علي الوضع في اليمن, مشيرا إلي أن الغرب استطاع أن يوظف قوانا ضد بعضها بدرجة مهينة, نافيا ما تردد في بعض الدوائر السياسية حول وجود رغبة إيرانية لتصدير الثورة الإسلامية إلي بعض دول الجوار, وقال هيكل: لا يوجد شيء اسمه تصدير الثورة الإسلامية, مشيرا إلي أنه يدافع عن علاقات مصرية إيرانية بأسباب منطقية, انطلاقا من وجود ثلاثة بلدان قوية في المنطقة, هي تركيا ومصر وإيران, وأن العلاقات بين الثلاثي أصبحت شيئا مهما ورئيسيا في المنطقة. وأعرب هيكل عن أمله في ألا تتطور الأمور إلي حد حدوث مواجهة بين الدول العربية وإيران في وقت من الأوقات, مشيرا إلي أن هذه المواجهة إذا ما حدثت, سيكون قد تم التلاعب بنا للمرة الثانية, وتساءل هيكل: كيف يتودد الغرب لإيران, ونحن نتصدر لعدائها ما لم تكن هناك أسباب قوية لهذا العداء, مضيفا: لا يمكن تقييد موقف دول الخليج في هذا الشأن, فالخليج جزء من الأمة, وأنا أريد بكل الوسائل, أن نبحث في أسس هذه الخلافات, وأن نحدد بدقة أسبابها, وقال هيكل: لقد أصبحنا في عالم يتطور, وعندما نتحدث اليوم عن إيران, فإننا نتحدث عن دولة مثل مصر, تقف ومن خلفها7 آلاف سنة, لذا فإنني أتمني ألا تطغي السياسة بالنسبة لنا علي حقائق التاريخ, فإيرانوتركيا والحبشة دول جوار, وهم يمثلون سقف وبطن العالم العربي, مضيفا: قد أكون اليوم لست معجبا بأداء أردوغان, لكن يجب ألا أنسي أنه قد يسقط في أي انتخابات, بينما الشعب التركي باق, ولن يبلعه البحر أو يختفي من الوجود. وعرج الكاتب الكبير علي النظام السياسي المصري, مشيرا إلي أنه جاء بمواريث بعضها سيئ, فيما حان الوقت لتصفية بعضها الآخر, وقال هيكل إن الرئيس عبد الفتاح السيسي تولي حكم مصر في فترة انقسام وتصادم للأمة العربية, مشيرا إلي أن السيسي يواجه ظروفا شديدة الصعوبة, قد تكون أكثر صعوبة مما واجهه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر, وأضاف هيكل: علي أقل تقدير في وقت عبد الناصر, كانت هناك قواعد للعبة, أما الآن مع اختراق الحدود عبر التكنولوجيا, فقد أصبح العالم كتلة واحدة, تداخلت فيها حجم المشاكل بشكل لا يتصوره أحد, وبخاصة شخص يكون في موقع المسؤولية, وجد في مواجهته مشاكل التخلف والفقر والصحة, إلي جانب تحدي الإخوان, وتحدي الإقليم والقوي الخارجية. وقال هيكل إن حجم التناقضات الموجودة داخل مصر, وحجم التناقضات الموجودة في العالم العربي, والتعقيدات الموجودة علي الصعيد الدولي, أمور تحتاج في محاولة الفهم إلي جهد خارق, مضيفا: أنا أظن أنه استهول ما رأي, وهذا أمر إنساني جدا, خاصة أننا أصبحنا أمام عالم جديد بوسائل مختلفة, وقال هيكل: كان جمال عبد الناصر يقوم بتعبئة الجماهير خارج مصر, واليوم لو أراد السيسي تعبئة الجماهير العربية, فإنه لن يعرف كيف يعبئها مع أي شيء أو ضد أي شيء, وربما للأسف الشديد لن يستجيب أحد, لأننا أصبحنا اليوم في حالة بعد عن العالم العربي. وحول العلاقات المصرية الإثيوبية قال هيكل إن مصر لا يجب أن تدخل في صراع مع إثيوبيا تحت أي ظرف من الظروف, خاصة أن ماء النيل يعيش منه الشعبان المصري والإثيوبي, وقال هيكل إن الرئيس عبد الناصر لم يسمح بأن يكون هناك تناقض بين مصر والحبشة, بل إن مصر هي التي نقلت منظمة الوحدة الافريقية لأديس أبابا, في وقت من الاوقات إرضاء لإمبراطور الحبشة هيلاسلاسي, مشددا علي ضرورة أن تدار مصالح الدول بفهم للمصالح المشتركة, وهو ما يوجب أن يكون هناك دور للدبلوماسية النشيطة وبأكثر من الزيارات, وأضاف هيكل: أنا مستعد لأن أدعو لتشكيل هيئة عليا لإدارة موارد النيل. وعرج الكاتب الكبير علي الأزمة الليبية متهما الغرب بالتسبب فيها, وأنه أضر بليبيا عندما كسر النظام الموجود, وترك الأمور للإرهاب والفوضي, وقال هيكل: لا يجب لمصر التورط في هذا الخضم, واعتقد اننا نفعل هذا, بأن نتصل بكافة الاطراف المؤثرة في ليبيا, مشيرا إلي أن كلا من ليبيا والسودان والصومال وإثيوبيا, يستحقون أن يتم تخصيص أشخاص محددين للعمل في الملفات الخاصة بالعلاقات معهم, لكن السياسة المصرية حسب وصفه لا تزال تائهة لأن معظم الموجودين لهم علاقة بآثار التناقضات وليس لهم علاقة بنشأتها, بينما أصبح من الضروري أن نواجه ذلك عبر تعزيز الإدارة في الرئاسة من خلال عناصر أكثر حول الرئيس, وبخاصة من الشباب, وقال هيكل: بعض المشاكل أو القضايا لابد أن يكون لها مجموعات عمل دائمة.