لا صوت يسمع في بريطانيا الآن سوي حفيف بطاقات الاقتراع وهي تلقي في صناديق الانتخابات الكرتونية في آلاف مراكز الاقتراع في650 دائرة انتخابية بأنحاء المملكة المتحدة. علي الأحزاب والمرشحين أن يصبروا علي هذا الصمت حتي إغلاق الصناديق في العاشرة مساء اليوم, وبعدها ستظل العيون معلقة بالشاشات ومواقع الأخبار التي ستتابع لحظة بلحظة فرز الأصوات وإعلان النتائج. ولن تشرق شمس يوم الجمعة إلا ويكون البريطانيون قد عرفوا مؤشرات, علي الأقل, عن كيف ستحكم بلادهم في السنوات الخمس المقبلة. رهان الأحزاب المتنافسة الآن هو علي40 من المئة من الناخبين, الذين تقول الاستطلاعات إنهم لم يحددوا مواقفهم من المرشحين حتي يوم التصويت. فالأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية زاد من حيرة الناخبين. ففيه قالت نتائج استطلاع للرأي إن حزب المحافظين, الشريك الأكبر في الحكومة الائتلافية مع حزب الليبراليين الديمقراطيين, تفوق علي منافسه الأقوي, حزب العمال, أكبر أحزاب المعارضة بثلاث نقاط. وفيه أيضا قال استطلاع آخر أن العمال يتفوق بنقطة واحدة. وبدا واضحا أن برامج الأحزاب وأداء زعمائها وناشطيها ووسائل الإعلام المؤيدة لها لم تستطع اقناع الناخبين. حسب الخريطة البرلمانية الحالية, يشغل حزب المحافظين307 مقاعد( بنسبة36.1 في المائة), ويشغل العمال258 مقعدا( بنسبة29 في المائة). وهذا يعني أن المحافظين يحتاجون إلي19 مقعدا جديدا علي الأقل, بينما يحتاج العمال68 مقعدا علي الأقل للفوز بالأغلبية المطلقة( النصف+1) لتشكيل الحكومة منفردا. ولن يكون هذا سهلا في ظل نزول لاعبين جدد إلي الساحة مدعومين برغبة شعبية جارفة في كسر احتكار الثلاثة الكبار(المحافظون, العمال, الليبراليون الديمقراطيون) تشكيل الفضاء السياسي في بريطانيا. فالاستطلاعات تتوقع فوز حزب استقلال المملكة المتحدة( يوكيب) اليميني, الذي يشغل مقعدا واحدا في مجلس العموم المنتهية ولايته, بنسبة17 في المئة ليحتل المرتبة الثالثة في البرلمان الجديد, ليركل الليبراليين الديمقراطيين إلي المرتبة الرابعة بنسبة8 في المئة, وهو الذي يشغل57 مقعدا في البرلمان الأخير. غير أن ظهور الشركاء الجديد لن يغير, علي الأرجح, حقيقة أن حزبي المحافظين والعمال سيكونان هما الأكبر من حيث عدد المقاعد, وأن أحدهما سيكون هو الشريك الأكبر في أي ائتلاف حكومي بعد الانتخابات. في ظل حالة الترقب هذه, زادت العصبية والوعود والاتهامات المتبادلة التي بدت وكأنها تجاوزت الحدود. فإحساس المحافظين بأنهم سيخرجون من10 داوننج ستريت( مقر الحكومة), ربما بعد يوم الجمعة, كان قويا لدرجة أن زعيمهم ديفيد كاميرون( رئيس الوزراء) تعهد صراحة بأنه سوف يستصدر قانونا من البرلمان الجديد يمنع أي زيادة في الضرائب, مصدر التمويل الرئيسي لميزانية البلاد. وسبب هذا التعهد صدمة حتي لدي قادة بارزين في حزب المحافطين واعتبروه متهورا, وفشلا لحملة الحزب الإعلامية في تبيان الإنجاز الواضح المتمثل في الاستقرار الاقتصادي الذي تحقق بعد أكثر من ست سنوات من الأزمة المالية الطاحنة. ولأن المحافظين فشلوا في الوفاء بتعهداتهم في انتخابات عام2010 بشأن تحسين الخدمات الصحية, والتعليم, والسيطرة علي الهجرة وتحسين أحوال الأسر العاملة, لم يصدق الناخبون وعد تجميد الضرائب. وظهر هذا واحدا في استطلاعات الرأي, مما أصاب الحزب بالفزع. وعاد المحافظون إلي اللعب بأوراقه القديمة التي بدأ بها حملته الدعائية متهما حزب العمال بأنه: سوف يدمر الاقتصاد, ويزيد الضرائب, ويضر باستقرار الحكومة, ويزيد الاقتراض والدين العام, ويلقي بالبلاد في أتون فوضي قد تؤدي إلي تفتيت المملكة المتحدة.