عيار 21 الآن بعد الانخفاض الحاد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الأربعاء بالصاغة    شعبة الدواجن: انخفاض البانيه 70 جنيها.. وتراجع كبير بأسعار المزرعة    «الشيوخ الأمريكي» يوافق على 95 مليار دولار مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان    مطالبات بفتح تحقيق دولي بشأن المقابر الجماعية المكتشفة في غزة    حكايات النجوم مع القلعة الحمراء.. ضحك ولعب وجد وحب    طقس اليوم.. شديد الحرارة نهارا مائل للحرارة ليلا والعظمى بالقاهرة 41    عاجل - يسكمل اقتحامه غرب جنين.. قوات الاحتلال داخل بلدة سيلة الظهر وقرية الفندقومية    نجم الأهلي السابق: هذا اللاعب هو الأفضل لقيادة الهجوم بدلًا من موديست    مشاهدة صلاح اليوم.. موعد مباراة ليفربول وإيفرتون في الدوري الإنجليزي والقناة الناقلة    البنتاجون: بدء البناء في ميناء مؤقت لإيصال المساعدات لغزة قريبا    تكساس إنسترومنتس تتجاوز توقعات وول ستريت في الربع الأول    موازنة النواب: تخصيص اعتمادات لتعيين 80 ألف معلم و30 ألفا بالقطاع الطبي    البنتاجون: هجومان استهدفا القوات الأمريكية في سوريا والعراق    اليوم، فتح متحف السكة الحديد مجانا للجمهور احتفالا بذكرى تحرير سيناء    بعد وصفه بالزعيم الصغير .. من هم أحفاد عادل إمام؟ (تفاصيل)    قناة «CBC» تطلق برنامج «سيرة ومسيرة» الخميس المقبل    بالخطوات .. تعرف على كيفية الاستعلام عن تأشيرة السعودية برقم الجواز 2024    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    نتائج مباريات ربع نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    أيمن يونس: «زيزو» هو الزمالك.. وأنا من أقنعت شيكابالا بالتجديد    مصطفى الفقي: الصراع العربي الإسرائيلي استهلك العسكرية والدبلوماسية المصرية    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    مصطفى الفقي: كثيرون ظلموا جمال عبد الناصر في معالجة القضية الفلسطينية    خطر تحت أقدامنا    التموين: تراجع سعر طن الأرز 20% وطن الدقيق 6 آلاف جنيه (فيديو)    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأربعاء 24/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    موعد مباراة مانشستر يونايتد وشيفيلد في الدوري الإنجليزي والقناة الناقلة    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    من أمام مكتب (UN) بالمعادي.. اعتقال 16 ناشطا طالبوا بحماية نساء فلسطين والسودان    أداة جديدة للذكاء الاصطناعي تحول الصور والمقاطع الصوتية إلى وجه ناطق    القبض على المتهمين بإشعال منزل بأسيوط بعد شائعة بناءه كنيسة دون ترخيص    غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر وطرق بديلة هامة.. تفاصيل    3 أشهر .. غلق طريق المحاجر لتنفيذ محور طلعت حرب بالقاهرة الجديدة    مصرع سائق سقط أسفل عجلات قطار على محطة فرشوط بقنا    العثور على جثة شاب طافية على سطح نهر النيل في قنا    مسئول أمريكي: خطر المجاعة «شديد جدًا» في غزة خصوصًا بشمال القطاع    إعلام عبري: مخاوف من إصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال لمسؤولين بينهم نتنياهو    نشرة التوك شو| انخفاض جديد فى أسعار السلع الفترة المقبلة.. وهذا آخر موعد لمبادرة سيارات المصريين بالخارج    الارتفاع يسيطر.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024 بالمصانع والأسواق    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    فريد زهران: الثقافة تحتاج إلى أجواء منفتحة وتتعدد فيها الأفكار والرؤى    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    هل يجوز طلب الرقية الشرعية من الصالحين؟.. الإفتاء تحسم الجدل    حكم تنويع طبقة الصوت والترنيم في قراءة القرآن.. دار الإفتاء ترد    رغم فوائدها.. تناول الخضروات يكون مضرا في هذه الحالات    عصام زكريا: القضية الفلسطينية حضرت بقوة في دراما رمضان عبر مسلسل مليحة    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    قد تشكل تهديدًا للبشرية.. اكتشاف بكتيريا جديدة على متن محطة الفضاء الدولية    طريقة عمل الجبنة القديمة في المنزل.. اعرفي سر الطعم    كم مرة يمكن إعادة استخدام زجاجة المياه البلاستيكية؟.. تساعد على نمو البكتيريا    العين يتأهل لنهائي دوري أبطال آسيا رغم الخسارة من الهلال    مع ارتفاع درجات الحرارة.. دعاء الحر للاستعاذة من جهنم (ردده الآن)    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثراء و السراب.. نصب وطمع وخراب بيوت
نشر في الأهرام المسائي يوم 26 - 04 - 2015

رجل بلغ سن المعاش وحصل علي مستحقاته كافة من عمله, أراد أن يضمن الدخل الشهري الثابت دون انقطاع حتي بعد الستين,
سيدة حصلت علي ميراث زوجها المتوفي وتخشي انتقاص الأموال شيئا فشيئا إيمانا منها بالمثل الشعبي الدارج خد من التل يختل, أو شاب استطاع تدبير نفقاته لسنوات طويلة تمكن معها من تكوين فائض كبير سماه تحويشة العمر وقرر أن يستثمره خوفا من أن يصيبه الركود المالي ورغبة في مضاعفته أو فتاة ترغب في تأمين مستقبلها فتستغني عن جزء كبير من راتبها الشهري الذي تتقاضاه من عملها المرهق أملا في الحصول علي مقابل تشعر معه بحصيلة إنتاجها مع مرور الزمن.. كل هؤلاء الأشخاص وغيرهم اشتركوا في حلم يبدو مشروعا للغاية, فمن منا لا يرغب في مضاعفة أمواله والمضي قدما في طريق الثراء ولو بخطي بطيئة.. ولم تكن الغاية وحدها القاسم المشترك بينهم بل كانت الوسيلة أيضا, فتوظيف الأموال بالنسبة إليهم جاء كطوق نجاة يخلصهم من شبح العودة لنقطة الصفر أو الاستدانة أو نقصان الدخل المعتاد والذي بات من الصعب تلبية احتياجات الأسرة ونفقاتها بأقل منه.. لتبدأ رحلة التوظيف من خلال شخص يعرض خدماته بطريقة ما, ويستخدم شتي الطرق لإقناع أصحاب المال بأنها الوسيلة الأضمن في تحقيق أرباح وفوائد سريعة وضخمة قد تفوق حجم توقعاتهم وما يطمحون إليه, وتبدأ رحلة التوظيف والزيادة ربما بطرق لا يعرف عنها صاحب المال شيئا فهو في النهاية لا يهمه سوي حصد ما زرعه غيره وجني ثمار الأرباح, وتطول المدة أو تقصر في انتظار نهاية آتية لا ريب فيها.. لتتبدل رحلة البحث عن الفوائد إلي البحث عن متعهد الفوائد الذي وعد بها بعد أن أصبحت الأموال في حوزته.. الأهرام المسائي ترصد رحلة البحث عن الثراء وسط السراب, عن أحلام متوسطي الدخل التي تتحول بين ليلة وضحاها إلي كوابيس يتمني أصحابها الاستيقاظ منها دون خسائر والعودة إلي الوراء قبل الوقوع في مصيدة بعض النصابين المستريحين المطمئنين لأوهام أولئك الباحثين عن الثروة, عن تفشي الظاهرة رغم التحذير منها, وعن تفضيل المواطن لحفظ مدخراته وتشغيلها في شركة مجهولة الهوية والتاريخ أكثر من مؤسسات الدولة..
///////////////
بتحويشة العمر أو قرض أو إيصالات أمانة.. هذا ما جنيته علي نفسي
حكاية متكررة وتفاصيل متشابهة وسيناريو يكاد يتطابق في كل مرة, لا تتغير فيه سوي الوجوه وحصيلة المكسب والخسارة, مكسب جاء للبعض نصبا واحتيالا, وخسارة تحاصر البعض الآخر في محاولة للخروج من الفخ, ورغم أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين إلا أن تجدد الحديث عن ظاهرة توظيف الأموال واستمرار عمليات النصب علي المواطنين يؤكد أن عدد المرات التي سيلدغ فيها المؤمن لم يعد مضمونا ولا محسوبا.. ضحية ومجني عليه أم شارك الجاني في إتمام الجريمة دون أن يدري وبحسن النية.. سؤال يتبادر إلي الأذهان بمجرد الإعلان عن مطاردة أحد النصابين الهاربين أو حتي بعد إلقاء القبض عليه حيث يبقي التفكير في المودعين الذين لن يحصلوا علي أموالهم, لتختفي الظاهرة وتندثر تدريجيا وينتهي الحديث عنها وتبتعد عن دائرة الضوء حتي موعد الكارثة المقبلة, وسواء مررت بهذه التجربة المريرة أو فقط تسمع أخبارها وتقرأ عنها داعيا الله ألا يصيبك الدور يوما فإنك تتمني القضاء علي هذه الظاهرة وتنتظر تحرك الدولة ورد الفعل الحكومي.
هل لجأت إلي شركة توظيف أموال من قبل؟ وما رأيك في استثمار بعض المواطنين لأموالهم فيها؟ وكيف تري ظاهرة النصب تحت ستار توظيف الأموال؟ ولماذا يفضل البعض إيداع أموالهم في مثل هذه الشركات والاستثمار بها أكثر من المؤسسات الرسمية والحكومية الأكثر ضمانا لهم وحفاظا علي أموالهم؟.. تساؤلات عديدة طرحتها الأهرام المسائي علي عدد من المواطنين وجاءت الإجابات في السطور التالية..
في البداية يقول محمد سليمان مدير إدارة بإحدي المؤسسات الحكومية- إنه سبق أن وتعرض لأكثر من موقف كان من الممكن أن يكون ضحية فيها لعمليات نصب, وتحديدا في مجال العقارات ولكن ربنا كان بيستر علي آخر لحظة علي حد قوله, ويوضح أن بعض الأشخاص يتمكنون من ترتيب أوراقهم بشكل محكم يصعب معها اكتشاف أي تزوير, مشيرا إلي أن الشهر العقاري يتحمل جزءا من المسئولية حيث لا يتم التأكد من الأوراق المقدمة إليهم بشكل كاف علاوة علي انعدام الضمير لدي بعض الموظفين أو إهمال آخرين قد لا يكلفون أنفسهم عناء النظر للبطاقة الشخصية للتأكد من صورة صاحبها وهي أبسط الأشياء علي حد وصفه.
ويعترف سليمان بأن ما يحدث يتحمل مسئوليته المواطنون الذين يودعون أموالهم لدي هذه الشركات أو مع بعض الأشخاص الذين يبيعون لهم الأوهام حيث يطمعون في المكسب السهل السريع, أما الطرف الثاني الذين يستغلون حاجة المواطنين لمضاعفة أموالهم وحاجة البعض للاستفادة من مميزات توظيف الشركات الخاصة فإنه يستغل الثغرات الموجودة في إجراءات بعض الهيئات والوزارات مما يسهل عملية النصب ويساعد علي انتهائها وهو ما يعد تحايلا علي القانون. ويشير سليمان إلي طرق أخري للنصب سهلت من مهمة النصاب المحترف صائد الأموال, فما أكثر الإعلانات التليفزيونية التي تقدم آلاف الجنيهات والمسابقات التي لا تلقي أي رقابة, فيقع المواطن فريسة لعمليات النصب التي تأتيه عبر كل الوسائل وتحيط به وتحثه بكافة الطرق, حيث تساءل ألا يدخل ذلك في إطار النصب والاحتيال ويلقي رواجا كبيرا؟!. ويؤكد أن المواطنين يثقون تماما في الحكومة, ولكن تكمن الأزمة لديهم في المكسب القليل في وقت طويل, في مقابل الإغراءات التي تقدمها الشركات الخاصة من مكاسب وفوائد ضخمة وسريعة, لكن هذا لا يمنع أن الثقة موجودة في الحكومة لأن اللي عند الحكومة مبيضيعش علي حد قوله. ويطالب سليمان الدولة بضرورة وضع قواعد وقوانين صارمة تحد من هذه الظاهرة, خاصة وأنها تتكرر منذ سنوات طويلة تزيد علي30 عاما, مشيرا إلي أن المسألة تتطلب موقفا حاسما من الحكومة لسد الثغرات القانونية التي تسمح لهؤلاء بذلك, مؤكدا أن الحكومة تمتلك كل المميزات وينقصها فقط المغريات, وضرب مثلا بمشروع قناة السويس الذي شاركت فيه جموع الشعب نظرا للثقة التي حظي بها المشروع وشفافية الإعلان عن كافة الإجراءات قبل طرح الشهادات.
ويشاركه الرأي عبد الرحمن محمد طالب جامعيحيث يري أن المسئولية مشتركة بين الضحايا والجناة متساءلا هو في حد يجيله قلب يسلم تحويشة عمره وتعب السنين لأي حد كده؟!, مشيرا إلي أنهم يتحملون الجزء الأكبر من المسئولية, خاصة أن الطمع هو المحرك الأساسي لمعظمهم أما النسبة الباقية فيساهم فقرهم وضيق اليد بنصيب كبير في هذا المصير.
ويؤكد أن الحل بيد الدولة التي ينبغي عليها أن تبذل أقصي جهدها لاسترداد أموال المودعين ووضع حد لهذه الظاهرة, وتشجيع المواطنين علي استثمار الأموال في مشروعات قومية أو حكومية لتحقيق استفادة مزدوجة للمواطن والدولة معا.
كما يشدد عبدالرحمن علي ضرورة تسليط الضوء علي مثل هذه الحوادث المتكررة بشكل شبه يومي بعيدا عن القضايا الضخمة التي يتم تسليط الضوء عليها, حتي يخشي المواطن من أن يلقي مصير غيره وردع ممتهني النصب من ناحية أخري.
وتناولت سحر محمد ربة منزل الظاهرة من جانب آخر تري أنه التفكير السائد لدي قطاع كبير من مودعي أموالهم لدي شركات التوظيف, حيث يعتقد البعض أن إيداع الأموال بالبنوك حرام أما توظيف الأموال فيندرج في إطار التجارة الحلال وليس الربا لذلك شددت علي ضرورة تصحيح تلك المفاهيم المغلوطة التي تودي بأصحابها إلي التهلكة علي حد وصفها. وتؤكد أن الدولة يمكنها استثمار أموال المواطنين بشكل إيجابي في مشروعات تفيد كليهما وتضمن حقوق المواطنين باعتبارهم ممولين لها بدلا من حفظها وتخزينها تحت البلاطة دون الاستفادة منها أو ضياعها في لحظة طمع وطيش بعد اللجوء لأشخاص وشركات غير موثوق فيهم مثلما حدث مع الكثيرين, وتشير سحر إلي أن الحالات عديدة ومتكررة ولن تنتهي إلا بتدخل صارم وإجراءات جادة للدولة علي أرض الواقع.
أما سامي أبو العينين صاحب مطعم فول-, فقد جاء حديثه مغايرا لسابقيه لأنه ذاق مرارة التجربة وشرب من كأس النصابين, حيث وقع ومجموعة من أصدقائه وأهل بلدته يصل عددهم إلي150 فردا كانوا ضحايا لأحد النصابين منذ فترة ولم يتم نشر الواقعة أو الحديث عنها لأنها لم تكن مثل القضايا الكبري التي تقع بين الحين والآخر, رغم حصول النصاب الهارب علي مبالغ كبيرة منهم حيث استطاع إقناعهم بشراء أحد الأراضي بعدما أحضر الأوراق الخاصة بها وباتت العقود في حوزتهم والأموال في حوزته والأرض أمامهم مع ملاك آخرين ظهروا بعد اختفاء البائع أو النصاب الذي صدرت ضده عدة أحكام قضائية واجبة النفاذ ولكن أين هو, في علم الغيب وربما يمارس ألاعيب وحيلا جديدة علي مجموعة آخري علي حد قوله.
هذا الرجل الذي تحدث بنبرة غلبها اليأس قال اللي مننا عمل قروض واللي طلع تحويشة العمر واللي مضي علي نفسه إيصالات أمانة, وفي الآخر خد مننا آلافات وباع لنا الهوا, وتساءل عن دور الحكومة قائلا إزاي الحكومة مش عارفه تجيبه لحد دلوقتي عشان تتنفذ فيه الأحكام دي؟!, وأنهي حديثه متمنيا أن يكون هذا الحديث سببا في إلقاء القبض علي النصاب واستعادة أموالهم المسلوبة قائلا خد مني20 ألف جنيه تحويشة عمري كله.
///////////////
بعد سنوات من التوظيف والاحتيال..
القانون لا يعرف الطماعين
القانون لا يحمي المغفلين أو قل الطماعين. ليست مجرد حكمة شائعة توثق أحداث قصة قديمة استغل فيها أحد الأمريكيين دهاءه الشديد في تكوين ثروة كبيرة بدأت بإعلان في إحدي الصحف قال فيه إذا أردت أن تكون ثريا فأرسل دولارا واحدا فقط علي صندوق بريد رقم... وسوف تكون ثريا فاقتنع الملايين من المواطنين بالإعلان وأرسلوا المبلغ المطلوب خاصة أنه مبلغ غير مكلف ولا يساوي شيئا مقابل حلم الثراء, وبالفعل حقق الرجل هدفه وأصبح من الأثرياء ليرسل بعدها إعلانا آخر كتب فيه هكذا تصبح ثريا, ليلجأ المواطنون الذين دفعوا له الدولارات إلي القضاء وجاء رد المحكمة كاشفا لطمع هؤلاء وذكاء ذلك الرجل الذي لم يجبر أحدا علي شيء بل استغل فقط رغبتهم في الثراء دون مقابل حيث سخر القاضي منهم قائلا القانون لا يحمي المغفلين, لتتحول بعدها من مجرد عبارة توثق لحادثة شهيرة إلي قاعدة حياتية تؤكد مساهمة بعض المواطنين بل ومشاركتهم في إتمام عملية النصب..
يبقي أحمد عبد الفتاح أو أحمد الريان هو الأشهر في تاريخ توظيف الأموال بعدما استطاع أن يحظي بلقب حوت الثمانينيات بل وأوائل التسعينيات بعد تأسيسه أكبر شركة توظيف أموال في مصر والشرق الأوسط, تحمس لها الكثير ووثقوا بها وحلموا بأرباحها وعوائدها الشهرية التي تراوحت ما بين24% و100% وهي أرقام لا يمكن لأحد أن يقاوم مفعولها وسحرها.
ولكن جاءت الرياح بما لا يشتهي الريان حيث فوجيء بخسارة200 مليون دولار من أموال المودعين في مضاربات الفضة ببورصة لندن مما تسبب في أزمة كبيرة لشركته عجزت معها عن رد دوائع المئات الذين ذهبوا لاستردادها, وقد تم القبض علي أحمد الريان بعدما فشلت الحكومة في استرداد أموال المودعين وتم تصفية شركاته ومحاكمته حتي تم الإفراج عنه في أغسطس2010 بعد أن قضي22 عاما في السجن.
ومن الريان إلي أشرف السعد رجل الأعمال المقيم حاليا في لندن وكان رئيس مجلس إدارة شركة السعد للاستثمار وتوظيف الأموال عام1991 والذي سلك طريق توظيف الأموال هو الآخر ولكنه استطاع تغيير مصيره فلم يلق مصير الريان الذي تم حبسه, حيث هرب السعد وتوجه إلي باريس بحجة العلاج ليوضع اسمه بعدها علي قوائم الممنوعين من السفر وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين بتهمة إصدار شيك بدون رصيد في.1993
ودون مقدمات عاد السعد فجأة وتمت إحالته للجنايات لعدم إعادته188 مليون جنيه من أموال المودعين في شركته قبل هروبه, بالإضافة إلي8 اتهامات أخري في نهاية ديسمبر1993, وتم إخلاء سبيله بكفالة50 ألف جنيه وتشكيل لجنة لفحص أعماله.
ليسافر مرة أخري عام1995 إلي باريس للعلاج ولم يعد حتي الآن, وقد صدر حكم بإنهاء الحراسة وإعادة ما تبقي من ممتلكاته عام2009, كما رفع السعد دعوي قضائية في لندن ضد الحكومة المصرية قبل ثورة يناير لمطالبتها بدفع60 مليون دولار أمريكي كتعويض عن إجباره علي بيع ممتلكاته من شركات ومصانع خلال مدة توفيق أوضاعه مع المودعين.
أما هدي عبد المنعم أو كما عرف عنها المرأة الحديدية فقد أسست شركة للإنشاءات والمقاولات عام1986, وتمكنت بالفعل من جمع45 مليون جنيه وحصلت آنذاك علي مساحات كبيرة من الأراضي قرب المطار رغم حظر البناء في تلك المنطقة, ودفعت30% من قيمة الأرض وانشأت عددا من المباني, الأمر الذي أثار حالة من البلبلة حيث تساءل البعض عن وجود هذه المباني في منطقة محظور البناء عليها وطالبوا بإزالتها, لتتوالي من بعدها بلاغات الحاجزين للسلطات ولتهدئة الموقف وقعت هدي عبد المنعم العديد من الشيكات بدون رصيد وعندما اصدر المدعي العام قرارا بمنعها عن السفر بعد أن وصلت مديونيتها إلي30 مليون جنيه تم فرض الحراسة علي أموالها ومحاكمتها حتي فوجئ الجميع بهروبها إلي الخارج في ظروف غامضة, حتي ظهرت المرأة الحديدية من جديد وألقت سلطات مطار القاهرة يوم28 أغسطس2009 القبض عليها لدي عودتها من اليونان بعد هروب أكثر من ربع قرن من تنفيذ أحكام في قضايا توظيف أموال وقروض.
ورغم الهدوء الذي ساد ساحة توظيف الأموال واختفاء النصابين الكبار ولكن جاءت قضية أحمد مصطفي الشهير بالمستريح أو كما أطلق عليه البعض ريان الصعيد أو الريان الجديد بعدما استولي علي أموال المواطنين الذين طمحوا للكسب السريع علي يد المستريح, لتتوالي من بعدها أنباء مستريحة الإسكندرية ثم طنطا ومستريح مطروح وغيرهم من ممتهني النصب والاحتيال تحت ستار التوظيف والتجارة, وتطول سلسلة المستريحين وتلازمها طولا سلسلة التعبانين الجدد الذين راحوا ضحية الربح السريع والخسارة الأسرع.
///////////////
تعددت القضايا.. والنصب واحد
أن تقع في الخطأ أمر طبيعي ومعتاد, وأن تستفيد من هذا الخطأ مستقبلا أمر طبيعي أيضا, والحال نفسه عندما يقع غيرك في خطأ ما وتكتشف النتائج السلبية التي وقعت عليه والأضرار التي لحقت به من جراء هذا الخطأ فإنك وبشكل لا إرادي تحاول تحصين نفسك من الوقوع في نفس الأخطاء حتي لا تلقي نفس المصير, ولكن تبدو هذه القواعد الحياتية لا تنطبق أبدا علي ضحايا توظيف الأموال الذين عايشوا أكثر من واقعة مماثلة قضي أصحابها علي أنفسهم عندما طمحوا إلي الثراء, ليطمعوا بعدها في ثراء سريع غير منطقي أو متوقع من خلال تصديق بعض العروض الواهية التي تؤكد لهم أن طريق المليون يبدأ بخطوة..
ولأن الأمر ليس طبيعيا أبدا, كان لابد من تفسير تلك الظاهرة اجتماعيا ونفسيا حتي نتعرف إلي أسباب وقوع ضحايا جدد بنفس الكيفية التي سبقهم بها غيرهم بل وبنفس الطريقة التي اتبعها معهم الجناة السابقون, علاوة علي تفسير عدم لجوء المواطنين لاستثمار مدخراتهم لدي شركات توظيف الأموال بعيدا عن المؤسسات المالية للدولة..
الأمر الذي يفسره الدكتور نادر قاسم- مدير مركز الإرشاد النفسي بجامعة عين شمس حيث يري أن الشخصية المصرية بها جوانب ضعف كثيرة, كما أنها شخصية عاطفية انفعالية لا تعرف أثر قرارها بعد مضي فترة من الزمن أي أن قراراتها وقتية, ورغم أن الغالبية العظمي لديها اقتناع كامل كاملة بأن القانون لا يحمي المغفلين ولكن هذه القاعدة وهذا الاقتناع تنطبق فقط علي حالات لا تمت إليهم بصلة.
ويؤكد قاسم أن هناك مليون ريان ومليون مستريح سيظهرون من جديد والظاهرة لن تتوقف رغم أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ولكننا ننسي سريعا ويختفي الخوف والتركيز بشأن توابع القضايا بعد فترة من تداولها وانقطاع الحديث عنها.
ويشير إلي أن هناك نسبة كبيرة تتحكم فيها أطماعها بشكل كبير, فينظر لقيمة الفائدة التي ستقدمها إليه شركات التوظيف في مقابل قيمة فوائد البنوك, لذلك قد لا يهتم من الأساس حتي بطبيعة الأنشطة التي تقوم بها شركات التوظيف الأهم الفائدة التي ستعود عليه من جراء هذا التوظيف.
ويوجه قاسم اللوم إلي الدولة مشيرا إلي أن مشروع قناة السويس علي سبيل المثال استطاع أن يجذب نسبة كبيرة من المواطنين مع مدخراتهم التي قاموا بتخزينها لسنوات طويلة, الأمر الذي يؤكد أن ثقة المصريين في الحكومة والأهم فيمن دعا للمشروع والاكتتاب الشعبي وهو الرئيس السيسي أدي إلي هذه النتيجة المبهرة التي رأيناها.
ويشدد علي ضرورة أن تغير الدولة من سياساتها المصرفية لأن المواطنين لن يتخلوا عن الفوائد الكبيرة من أجل ادخار أموالهم في البنوك ذات القيمة البسيطة حتي لو كان هناك جانب من الخطورة في الاستثمار في شركة توظيف خاصة. ويؤكد مدير مركز الإرشاد النفسي أن المواطنين يثقون بوعود الحكومة رغم أن الموروث التاريخي يؤكد خوفهم منها اعتقادا منهم بجملة كان يتم الترويج لها اللي رايح عند الحكومة مفقود, ولكن عندما ذهب المواطنون للكشف عن فوائد بعد3 شهور من إيداع أموالهم في مشروع القناة وهي المدة التي كان قد تم تحديدها للفوائد وجدوها وحصلوا عليها كما وعدتهم الدولة وبالتالي كان لشخص الرئيس وتأثيره في المواطنين دورا كبيرا في عودة الثقة المفقودة.
ويطالب بضرورة تعزيز تلك الثقة من خلال مشروعات أخري تزاحم الشركات الخاصة التي تستغل أموال المواطنين, وذلك من خلال تقديم مغريات أكبر والتركيز علي سلبيات التوظيف في الشركات الخاصة والتذكير بقضايا النصب والاحتيال من خلال تلك الشركات بين الحين والآخر, وينهي حديثه قائلا: إن الدولة وحدها تستطيع القضاء علي الظاهرة وإن لم تفعل فلنستعد لمستريحين جدد.
ويري الدكتور طلعت عبد الحميد- أستاذ علم الاجتماع التربوي بجامعة عين شمس- أن عمليات النصب علي المواطنين لن تتوقف وستتكرر من جديد لأن أصول التربية وطرق التفكير لم تتغير خاصة وأن الأماكن المنوطة بهذا التغيير وهي المدارس والجامعات تفشل في ذلك فغالبية المصريين لا يتمكنون من حل المشكلات بل أو توقع نتائجها ولا يهتم أحدهم بالآثار المترتبة علي اتخاذ أي قرار ولا يدرسه جيدا قبل أن يقبل عليه.
ويوضح عبد الحميد أن آلية الحفظ والتلقين ثم التسميع في الامتحانات ونسيان المعلومات بعدها التي تنشأ مع الطفل في المدرسة, تبقي معه وتلازمه طيلة حياته فينسي سريعا, كما أنه لا يتوقع أبدا أن يصيبه الدور أو يمر بتجربة مر بها غيره بل لا يعيها أو يقدر حجمها إلا عندما يمر هو شخصيا بها.
ويري أن نمط الشخصية التابعة يؤثر كثيرا علي سلوكيات هؤلاء الذين يسلمون أمرهم وأموالهم إلي أشخاص مجهولي الهوية, لذلك يصدم ويصطدم بالواقع لأنه لا يتوقع أبدا ولا يري أن ما حدث لغيره سيأتي إليه آجلا أو علاجا إن لم يتعلم من أخطائه. ويتساءل عن دور الدولة في تشجيع الناس علي استغلال الاقتصاد السري غير الرسمي خاصة وأن هناك نسبة كبيرة من متوسطي الدخل والفقراء الذين يسعون لزيادة أموالهم ولا يعون أساليب النصب والاحتيال ويأملون فقط في استثمار ما قاموا بتجميعه طوال سنوات, مشددا علي دور وزارات الإعلام والتعليم والأوقاف في إظهار الجديد والتعامل مع معطيات العصر. لذلك يري عبد الحميد ضرورة تغيير طريقة التفكير نفسها وإلا ستتكرر الأخطاء ليبقي أصحاب الأموال أصبحوا جناة ومجنيا عليهم في الوقت نفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.