عند قراءتك ل فانيليا رواية الطاهر شرقاوي الفائز بالمركز الأول لجائزة الرواية للشباب بجوائز ساويرس للابداع الادبي هذا العام ربما تخطر لك كما خطرت لي رواية اله الاشياء الصغيرة للأديبة البريطانية ذات الجذور الهندية ارونداتي روي, لا لتشابه بين رواية الطاهر وروايته التي ينتصر فيها لتلك الاشياء الصغيرة, ليخلق منها عالما متماسكا رغم هشاشته اللطيفة. هي عن حكاية بنت صغيرة, صغيرة في كل شيء ينسحب صغر قدميها علي صغر عالمها باشيائه الحميمية, وحكاية هذه البنت مع الولد الكاتب الصغير مثلها. منذ صدور الرواية احتفي بها عدد من كبار الكتاب في مصر والعالم العربي وعدها الكاتب الكبير جمال الغيطاني نقلة متميزة لا في مسيرة الطاهر شرقاوي فحسب, بل في عالم كتابة الرواية خاصة بين مجايلي الطاهر من الشباب. في هذه الرواية يرصد الناقد د. محمد بدوي انسحاب الطاهر الملحوظ من عالمه القروي السائد في مجموعاته القصصية الاربع السابقة علي الرواية, وظهور المدينة بوضوح وجلاء في فانيليا, كما يرصد بدوي خفوت صوت يحيي الطاهر عبدالله, ابن نفس المحافظة التي جاء منها الطاهر والذي اثر في كتاباته تأثيرا ملحوظا حتي كتابة هذه الرواية, فيقول د. محمد بدوي: الطاهر شرقاوي برغم غنائيته وحسن ظنه بالعالم, لا ينكر نسبه, لكنه ينقش علي هذا النسب صوته ونفسه, وهو نقش يمكن أن تزداد خطوطه وضوحا وحدة, وبالتالي اختلافا في الكتابات القادمة. غنائية شرقاوي( القاص صاحب الرواية) تجد صدي لدي كل من تناولوا أعماله بالنقد, فبينما يري د. محمد بدوي في هذه الغنائية التصاقا بعالم يحيي الطاهر عبد الله يقول عنها جمال الغيطاني: يكتب الطاهر شرقاوي بلغة جديدة, ايقاعها مختلف, رغم بساطتها الظاهرة إلا أن الشاعرية الكامنة وراءها تمنحها عمقا كان المؤلف يري اللعالم بعيني طفل يضع الغيطاني فانيليا في قائمة واحدة مع كيرياليسون لهاني عبد المريد والفائزة بالمركز الثاني لنفس الجائزة( ساويرس للابداع الادبي للرواية فرع الشباب) العام الماضي باعتبارهما روايتين ممثلتين لظاهرة أدبية جديدة متميزة, ففانيليا حسبما يراها الغيطاني تمسك بالقارئ من الكلمة الأولي ليتتبع فصولها بلهفة رغم خلوها حسب رؤيته من الشخصيات ومن المعمار التقليدي. فالطاهر شرقاوي لا يعطي للولد الكاتب والبنت النحيفة ذات القدم الدقيقة التي تسير حافية اية اسماء, يتركهما يتبادلان الحكي والسيطرة علي عملية السرد ليصنعا عالما شديد الواقعية, لكنه لفرط بساطته ونقائه يكاد يكون متخيلا وفانتازيا. كل ما في هذه الرواية التي لاقت احتفاء نقديا كبيرا منذ صدورها في مطلع عام2008 يشبه للطاهر شرقاوي القادم من احدي القري الصغيرة الواقعة بمحافظة قنا يجلس الطاهر بجسده النحيف في مقهاه المفضل الصغير في باب اللوق( سوق الحميدية) وسط مجموعة صغيرة العدد جدا من الاصدقاء, يتحدثون حول كتاباتهم, الافلام التي يحبونها, لا يسعي الطاهر شرقاوي رغم الاحتفاء الكبير بروايته منذ صدورها ثم الحفاوة التي قوبلت بها عودته للقصة القصيرة في عجائز قاعدون علي الدكك للاقتراب من الضوء, أو الدعاية لاعماله. يكتفي باهداء كتاباته لاصدقائه في محبة منتظرا آراءهم في شغف, لا يطلب من أحد أن يكتب عنه, ولا يسعي لبريق, ليكون دليلا ربما وحيدا علي أن صدق الموهبة وحده كاف كي يصل صاحبها إلي القراء.