أرجع د. محمود عبد الفضيل الاقتصادي البارز تأصل روح الفردية والرغبة في الشهرة والتفرد بالمجد بين المثقفين والمفكرين المصريين إلي بروزهم وسط بيئة ثقافية متخلفة وهو مايصيبهم بالغرور والتصرف بطاووسية علي حد قوله وهو ما يحول دون الابداع الجماعي والخروج من دائرة المحلية إلي العالمية. جاء ذلك في كتابه الصادر اخيرا عن دار العين بعنوان سيرة جيل وأزمة وطن والذي يرصد فيه بعض جوانب من سيرته الذاتية هو وجيله الذي عايش ثورة يوليو ومرارة الهزيمة في الستينيات مرورا بنصر أكتوبر وعصر الانفتاح الاقتصادي ويتعرض أيضا لبعض التطورات التي لحقت بالمجتمع المصري. محمود عبد الفضيل هو اقتصادي مصري بارز حصل علي الدكتوراة في الاقتصاد من السوربون ودرس في جامعة اكسفورد ثم عاد ليدرس الاقتصاد في جامعة القاهرة والجامعة الأمريكيةبالقاهرة ومن أهم كتبه النفط والمشكلات الاقتصادية المعاصرة مصر ورياح العولمة و نواقيس الإنذار المبكر. يقول الكاتب في كتابه الجديد: ولدت في حي السيدة زينب في عام1941 لأب مقاول في بيت أحاطت به السياسة من كل جانب فكان معظم جيرانه من المشتغلين بها وهو ما أسهم في تفتح وعيه السياسي وشغفه بحب القراءة والمعرفة مبكرا فكان يداوم علي قراءة المجلات والكتب الثقافية خارج دائرة الدراسة مثل سلسلة أولادنا الصادرة عن دار المعارف في ذلك الوقت ومجلة سندباد التي لعبت دورا كبيرا في تكوينه وذلك بتشجيع من والدته. ينعي الكاتب حالنا الآن وهو يتذكر كيف كان يتنافس مع ابن ناظر المدرسة علي الدرجات النهائية وكان يتفوق هو أحيانا دون أن يتدخل الناظر بنفوذه ليغير في النتائج وهو علي عكس ما قد نتوقعه الآن, ويروي الكتاب كيف كانت العلاقة بين الأستاذ والتلميذ علاقة حميمة تخرج من قاعات الدرس إلي المكتبات حين كان الاستاذ مثقفا وعلي دراية واسعة وكان بعضهم يكتبون المقالات في الصحف بعكس حال الاساتذة الآن ويقول د. عبد الفضيل أن التلاميذ كانوا يهتمون بالسياسة ويحتجون علي أوضاع سياسية بالاضراب عن الدروس تحت شعار اليوم حرام فيه العلم وكيف انتفض تلاميذ الابتدائي حين وقع العدوان الثلاثي علي مصر. التحق الاقتصادي البارز بكلية التجارة شعبة الاقتصاد في عام1958 وعن تلك الفترة يقول ان الخمسينيات شهدت ترسخ وعيه هو وجيله بالعروبة التي كان شعارها عالم عربي واحد بلا حدود ولا قيود ويتذكر بألم حدث الانفصال مع سوريا ويقول ان هذا الحدث كان حدثا جللا لأنه مثل بداية انكسار المد القومي الذي أعقب العدوان الثلاثي علي مصر ولكن خطاب الرئيس عبد الناصر في جامعة القاهرة أمام الطلاب واعترافه بالأخطاء التي وقعت مع سوريا خففت من وقع الانفصال ولكن الكاتب يستدرك قائلا ان هذا النقد الذاتي لم يدم طويلا وسرعان ما عادت الأمور إلي ما كانت عليه. بعد أن تخرج د. عبد الفضيل عمل لفترة بالبنك الأهلي المصري وهو ما مكنه من الاطلاع علي أحشاء الاقتصاد المصري آنذاك وفهم العلاقات والتشابكات الداخلية له ثم سرعان ما ترك البنك ليلتحق بوظيفة معيد بجامعة القاهرة ثم سافر في بعثة إلي فرنسا للحصول علي رسالة الدكتوراة في عام1965 وهي نفس السنة التي يعتبرها الكاتب بداية دخول النظام المصري في النفق المظلم وظهور علامات الإعياء عليه بسبب وجود مجموعة من الانتهازيين والمنافقين الذين استطاعوا النفاذ إلي مراكز السلطة ويشير د. عبد الفضيل إلي نكسة يونيو67 بأنها كانت كارثة وصدمة أحدثت انكسارا في نفوس المبعوثين إلي الخارج. ويضيف الكاتب انه علي الرغم من أن المبعوثين في الخارج كانوا ناقدين للنظام الا انهم يعتبرون أن الوجه الآخر لنظام عبد الناصر هو قيادته لمعركة التحرر وتأميم الصناعة الوطنية وهو ما فشل فيه الكثيرون ومنهم الدكتور مصدق في إيران حين فشل في تأميم النفط. ناقش الكاتب رسالة الدكتوراة في باريس ثم جاءته الفرصة للحصول علي منحة في أكسفورد ونجح في الحصول علي وظيفة خبير أبحاث فظل في كمبريدج حتي العام1977 وقام هناك بعدة أبحاث لاقت اهتماما كبيرا ثم توجه إلي الكويت ليعمل في المعهد العربي للتخطيط وألف في تلك الفترة العديد من الكتب المتعلقة بالثورة النفطية في بلاد الخليج ثم اتخذ قرار العودة إلي مصر في بداية العام1980 ليعمل كأستاذ للاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ويقول د. عبد الفضيل انه حين عاد لم تكن الأمور كما تركها فحين عاد وجد طفرة هائلة في أسعار العقارات والسلع وبدعا جديدة في المجال الثقافي والاكاديمي منها وجود العديد من المراكز العلمية في العديد من الكليات التي تتنافس فيما بينها في عقد الندوات حتي أصبح الأساتذة يتنقلون في اليوم الواحد من ندوة لأخري ما بين رئيس جلسة ومتحدث ومعقب وهو ما بدد وقتهم وصاروا محترفين للشو الإعلامي.