كان المشهد رائعا في أغلب كنائس مصر ليلة الاحتفال بعيد الميلاد. عشرات المصريين من المسلمين الذين شاركوا إخوانهم المسيحيين الاحتفال داخل الكنائس وخارجها فعلوا ذلك بمبادرات ذاتية نظمها محبون لهذا الوطن ولإخوانهم فيه, غير مدفوعين لا بحزب سياسي يسعي لكسب الأصوات, ولا بحكومة تريد إعطاء انطباع بأن كل شيء علي ما يرام. ذهب المسلمون لحضور قداس عيد الميلاد ليقولوا لإخوانهم المسيحيين إن حياتنا ليست أغلي من حياتكم, وأنه إذا كان الإرهابيون يهددونكم, فإن عليهم أن يريقوا دمائنا معكم, وربما قبلكم. ذهب المسلمون إلي الكنائس ليبقي الدم المصري موحدا وممتزجا, كما كان في ثورة1919 وفي كل الحروب التي خاضها أبناء هذا الوطن دفاعا عنه ضد الأعداء. حارب المصريون مسلمون وأقباط معا الأعداء الخارجيين لهذا الوطن, وانتصروا عليهم بوحدتهم, وها هم يحاربون الأعداء الجدد الذين تختلط فيهم عناصر الداخل والخارج بنفس الإصرار. ذهب المصريون المسلمون للكنائس ليلة عيد الميلاد ليقولوا للإرهابيين المتطرفين الطائفيين الذين لا يرضون لهذا البلد بأقل من الخراب الكامل أن مؤامرتكم لم ولن تنجح, وأن هذا الوطن سيبقي موحدا. تابعت مشهد المصريين في الكنائس ليلة الميلاد, وقارنته بما حدث في بلاد أخري في المنطقة تعرضت دور العبادة فيها لاعتداءات الإرهاب, وقلت' عمار يا مصر'. تبادل الشيعة والسنة الاعتداءات في العراق, فلم يخرج أحد يدافع عن أحد, وترك العراقيون بلدهم يغرق في فوضي حرب طائفية مازالت تخيم في سماء البلد الشقيق. اعتدي الإرهابيون الطائفيون في العراق علي كنيسة سيدة النجاة وقتلوا خمسين من المسيحيين, فلم يتحرك أحد من الشيعة والسنة لمواساة إخوانهم المسيحيين, اللهم إلا معسول الكلام المحفوظ الذي أطلقه المسئولون. الشيعة والسنة يتبادلون تفجير المساجد في باكستان, حتي كاد البلد يغرق في الفوضي, ولا أحد يتحرك لتضميد الجراح والتأكيد علي الأخوة في الوطن. في مصر وحدها خرج المسلمون لإعلان تضامنهم مع إخوانهم المسيحيين حتي عرضوا حياتهم للخطر. غضبة الأقباط بعد ضربة الإرهاب الطائفي في الإسكندرية لم تزد المسلمين إلا إصرارا علي تحمل مسئوليتهم تجاه إخوانهم وبلدهم, فلم يتخذوا منها ذريعة للقعود وترك مسيحيي مصر لحالهم بعد أن قرروا التعبير عن مظالمهم بأنفسهم. الكلام عن النسيج المصري الواحد أعمق من أن يكون إنشاء فارغ المعني, حتي لو كان هذا النسيج في حاجة لإجراءات وسياسات تصونه وتعيد له بهاءه.