في غفلة من الزمن ووسط الأحداث المضطربة التي تمر بها البلدان العربية ومصر, وقعت كل من الأردن وفلسطين وإسرائيل منذ أيام اتفاقية مشروع قناة البحرين التي ستصل بين البحر الميت والبحر الأحمر, تلك التي لم ينتبه إليها الإعلام سواء العربي أم المصري, والتي من شأنها أن تصبح لإسرائيل شوكة جديدة في ظهر مصر والوطن العربي لتحقق بها المزيد من الأطماع الاستعمارية والمكاسب الاقتصادية موهمة مملكة الأردن وفلسطين, أن ذلك المشروع سيعود عليهما بالخير الوفير علي عدة مستويات, وهو الأمر الغريب, خصوصا أن نيات الإسرائيليين في المنطقة معروفة, لدرجة أن هناك مقولة تقول: إذا دخل الإسرائيلي معك الجنة شك في نواياه. من أجل ذلك الموضوع الشائك الذي يخطط له منذ سنوات ويأتي ضمن مخطط دولة إسرائيل الكبري, خصوصا أنها تقترح هذا المشروع وتروج له تحت زعم إنقاذ البحر الميت وتوفير مياه وكهرباء لدولتي الأردن وفلسطين, وقد ناقش الأمر من كل زواياه كتاب ودراسة جديدة تحت عنوان( قناة البحرين الإسرائيلية... الخطر المقبل علي مصر, قام بها الدكتور( جمال يوسف عبد الحميد) أستاذ العلوم السياسية, وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية, تلك الدراسة التي تدق ناقوس الخطر للتآمر علي أمن مصر القومي ومصدر الدخل الاقتصادي للدولة متمثلا في قناة السويس. كما تسلط الدراسة الضوء علي المخاطر البيئية والاقتصادية لمصر والوطن العربي جراء تنفيذ هذا المشروع, مع مناقشة ما يرتبط به من ملفات أخطرها تنفيذ مشروعات إقامة خط سكة حديد من إيلات إلي أشدود, وكذلك إحياء فكرة أنابيب البترول وما يقال حول بناء إسرائيل لمفاعلات نووية في تلك المنطقة, وغيرها من المخاطر الكثيرة التي تطرحها الأهرام العربي من خلال عرض الدراسة بما تحمله من أهمية في السطور المقبلة. في البداية تؤكد الدراسة أن الاتفاق الثلاثي الموقع بين إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية, والذي حدث فجأة دون إنذار مسبق, هو ما يكشف أننا أمام مخطط متكامل تقوم إسرائيل بالتحرك من خلاله, وليس مجرد مشروع هنا أو قناة هناك, إنه الشرق الأوسط الإسرائيلي الذي تسعي للوصول إليه قبل إتمام التسوية علي مسارات الصراع بأكمله, والذي لن يكون علي المسار الفلسطيني فقط, خصوصا أن الإدارة الأمريكية الراهنة تسوق الآن لفكرة السلام الاقتصادي بين إسرائيل وجيرانها في حال فشل السلام السياسي. حيث أوضحت الدراسة أن مثل تلك المشاريع التي تخطط لها إسرائيل وتأتي ضمن إستراتيجيتها تهدف إلي إنشاء شرق أوسط جديد, لينتقل مركز الثقل الرئيسي للشرق الأوسط الجديد إلي إسرائيل, أما الدول العربية أيا كان وزنها فستصبح هامشية في هذا التكوين الجديد, وتقوم فكرة المشروع الأمريكي- الإسرائيلي علي نقل مراكز القوة الاقتصادية من الدول العربية إلي إسرائيل, وأن المميزات الاقتصادية النسبية التي تتمتع بها الدول العربية سوف تقل أهميتها باكتمال مراحل هذا المشروع الجديد. وتري إسرائيل أن بديل قناة السويس المصرية يعد من أهم المشروعات الخمسة في هذا المخطط, حيث تري إسرائيل أن مصر دولة غير مأمونة الجانب وأن معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية عرضة للإلغاء أو التجميد في أي وقت, كما تشير المعلومات أن المشروع الأمريكي- الإسرائيلي في إحدي أوراقه المهمة, يؤكد فكرة الاستثمار الإستراتيجي في الشرق الأوسط والذي يعني حزمة من المشروعات الاستثمارية الكبري التي تشرف عليها الولاياتالمتحدة أو إسرائيل أو الاثنان معا, وأن جميع المشروعات الإسرائيلية المتعلقة بقناة السويس سواء في خط أنابيب بترول إيلات- عسقلان أم السكك الحديدية إيلات أشدود سوف تدخل في نطاق هذه المشروعات الاستثمارية. وأخطر ما تنادي به مذكرة إسرائيلية حول الموضوع أن دولة كبري مثل مصر, لن ترتبط بمشروعات استثمارية إستراتيجية كبري مع أي دولة عربية أخري في المنطقة دون أن تكون إسرائيل أو الولاياتالمتحدة طرفا في مثل هذه المشروعات, كما أن هناك تركيزا بصفة خاصة في أوراق المشروع الإسرائيلي- الأمريكي علي ثلاث دول عربية هي: مصر والسعودية وسوريا, بحيث لا ترتبط هذه الدول مع بعضها بمثل هذه المشروعات الكبري, في حين أن هناك نوعيات أخري من المشروعات الكبري يمكن أن تتم بمشاركة أمريكية- إسرائيلية, وبالنسبة لمصر تشير المذكرة الإسرائيلية إلي ضرورة فصلها عن دائرة الخليج العربي وأن دائرة المشروعات المصرية يجب أن تنحصر في شمال السودان والأردن وإسرائيل وتونس, في حين أن مشروعات السعودية يجب أن تنحصر مع دول الخليج التطور التاريخي للمشروع وعرضت الدراسة أن فكرة القناة ليست وليدة اليوم, لكنها تعود للعالم العربي الحسن ابن الهيثم في القرن الحادي عشر عندما طرح فكرة ربط البحرين الأحمر والمتوسط بالبحر الميت, وكان الغرض من هذا التناول هو تتبع تطور هذه الفكرة, وبالفعل نجدها قد تطورت في العقل الصهيوني علي يد مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل, وكانت الحكومة البريطانية قد أرسلت في سنة1850 بعثة لدراسة إمكانية شق قناة موازية لما أصبحت لاحقا قناة السويس, وبعد قيام دولة إسرائيل عام1948 وتأميم قناة السويس عام1956 تناقلت الفكرة كل من الأوساط الاستعمارية والصهيونية باعتبارهما متضررين من تأميم القناة, إلا أن الفكرة تلاشت عقب فشل الهجوم الثلاثي علي مصر ليبدأ الاهتمام بالمشروع من جديد بعد حرب1967 باقتراح حفر قناة تربط ميناءي أشدود وإيلات, وقد أدت الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية آنذاك إلي تجميد المشروع, وفي عام1968 طرحت فكرة حفر قناة تربط بين ميناءي أشدود وإيلات, إلا أن الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية لم تسمح بتنفيذ المشروع, وفي عام1974 أعادت الحكومة الإسرئيلية دراسة إمكانية الاستفادة من المشروع في توليد الطاقة, وفي الثمانينيات وعن طريق البنك الدولي قامت شركة أمريكية بعمل دراسات للمشروع في فترات غير متصلة حتي كانت آخر دراسة عام1996 وكان معظم هذه الدراسات يهدف إلي توليد الطاقة, وقد تم الإعلان رسميا عن فكرة تنفيذ مشروع البحرين( الأحمر- الميت) في القمة العالمية للتنمية المستدامة التي عقدت في جنوب إفريقيا عام.2002 رفض عربي للقناة وتوضح الدراسة أنه برغم تعثر مشروع قناة البحرين لسنوات طويلة, فقد تم مناقشته من جديد وطرحه علي أساس مد خط أنابيب وليس حفر قناة, وذلك للتخفيف من الضغوط العربية المعارضة للمشروع خصوصا المعارضة المصرية, وجرت محاولة إعطاء المشروع صبغة بيئية بهدف صرف النظر عن الأبعاد السياسية والاقتصادية, ومع ذلك واجه المشروع انتقادات عربية واسعة النطاق علي اعتبار أنه خرق للقرارات العربية بتجميد التعاون مع إسرائيل, بالإضافة إلي إعلان الطرف الفلسطيني بأنه ليس طرفا بالمشروع وأنه يتعارض مع الحقوق الفلسطينية في البحر الميت, مشيرة إلي أن فكرة المشروع قد أجهضدت عندما لم تجد من يتحمس لها مبدئيا أو تمويليا, إذ لا يعقل شق ممر دولي ملاحي آخر مكلف وبلا جدوي في ذات المنطقة الإقليمية وعلي بعد يقل عن100 ميل بحري من مخرج قناة السويس إلي البحر الأحمر, وقد شنت الدول العربية حملة واسعة النطاق ضد المشروع وصلت إلي المحافل الدولية, حيث انتقدت الأممالمتحدة مشروع حفر القناة في عام1982 واعتبرته انتهاكا لحرمة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام1967 وفي عام1983 صدر عن المجلس التنفيذي لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة قرار إدانة لإسرائيل حظي بتأييد ساحق, وقد طالب القرار جميع الدول والوكالات المتخصصة والمنظمات عدم تقديم العون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للمشروع الصهيوني, كما قوبل المشروع برد فعل عربي غاضب ورافض للفكرة من أساسها خلال قمة الأرض في جوهانسبرج عام2002 عندما تقدمت الأردن بها رسميا خلال ذلك المؤتمر.