أخيرا صدر حكم المحكمة الدستورية الذي كان متوقعا بعدم دستورية قانون تقسيم الدوائر الإنتخابية الذي كان من المقرر أن تجري في ظله انتخابات المجلس التشريعي المقبل, وهو الحكم الذي يتحتم علي محكمة القضاء الإداري أن تلتزم به, وحسنا أنه صدر في هذا التوقيت قبل أن كانت قد تمت الإنتخابات وهو قائم وانتخب مجلس تشريعي جديد ومارس مهامه واختصاصاته التشريعية والرقابية, ثم يصدر حكم المحكمة بعد ذلك, بعد أن يكون المرشحون قد تكبدوا تكاليف كبيرة في العملية الانتخابية وتكون الدولة قد انفقت أيضا جزء غير يسير من مواردها المحدودة علي إتمام عملية الإنتخابات, وضاع كل هذا إدراج الرياح ومعها أي قرارات أو قوانين يكون قد اقرها هذا المجلس المحكوم بعدم دستورية القانون الذي أجري علي أساسه. ورغم وعد مستشار اللجنة المشرفة علي العملية الإنتخابية بأن التعديل وفقا لما حكمت به المحكمة سيتم في خلال شهر واحد وسيعرض لاستصداره في هيئة قانون تجري علي أساسه العملية الإنتخابية, فقد كان من الطبيعي أن يتسابق بعض المتنطعين للقول إن هذا هو ما كان مقصودا منذ البداية بغرض تعطيل وجود سلطة تشريعية منتخبة من الشعب لتمارس بالتفويض عنه المهام التشريعية والرقابية, وذلك لإعطاء السيسي فرصة أطول للإنفراد بإصدار القوانين والقرارات المصيرية دون رقابة شعبية تشريعية حقيقية, وسندهم في ذلك أن أسس عملية تقسيم الدوائر الإنتخابية معروفة منذ زمن وتقسم الدوائر علي أساسها في مصر وفي كل الديمقراطيات المتقدمة, بقسمة عدد الناخبين علي اثنين ثم يقسم الناتج علي عدد المقاعد بالمجلس التشريعي ليتم تقسيم الدوائر علي أسس متكافئة, وهو قول به الكثير من السذاجة, فما ايسر ان أراد السيسي أن يحقق الغرض المدعي به لكان بمقدوره أن يستغل حالة الإرهاب التي يجعلنا نعيشها الإخوان الإرهابيون بإقدامهم كل يوم علي أرتكاب أكثر من عملية إرهابية تستهدف المزيد من الأبرياء من رجالات القوات المسلحة والشرطة والمواطنين الأبرياء ليعلن أن المناخ العام غير مهيأ لإجراء مثل تلك الانتخابات الآن وتأجيلها لمدة ستة أشهر مثلا, وحينئذ سيكون المبرر معقولا والقرار صائبا, ولكن ما حدث من وجود قانون لتقسيم الدوائر غير دستوري لا يحقق مبدأ تكافؤ الفرص أمر وارد وخطأ حدث كثيرا في فترات سابقة, ولكن سرعة تدارك الأمر بصدور الحكم قبل إجراء الإنتخابات وتكوين مجلس تشريعي هو البرهان الحقيقي علي سلامة النية, والتي تكتمل حين ينفذ المستشار القانوني للجنة الإنتخابات ما وعد به ويقدم التعديل المطلوب في خلال شهر لتجري علي أساسه الإنتخابات التشريعية المقبلة بإذن الله, وتخرج بالشكل الدستوري المطلوب والذي يحقق العدالة المستهدفة, وستكون تلك بالطبع فرصة عظيمة لكل من لم تقبل أوراقه أو رفضت من المرشحين أن يتدارك الأمر لاستكمالها أو لإصلاحها كذلك للأحزاب والإئتلافات الحزبية أن تدرك ما فاتها, فلا تحرم العملية الإنتخابية التشريعية من وجود أشخاص كان يعتقدون بكفاءتهم لتولي تلك المسئولية.