حتي اعتداءات7 يوليو2005 الإرهابية, في لندن, لم تفعل فعل قضية محمد إموازي جون الجهادي ببريطانيا. لا يمكن توقع أن تعلن أجهزة الاستخبارات البريطانية, حتي للدفاع عن نفسها في مواجهة علامات استفهام كثيرة وكبيرة, عن كل أسرار ملف إموازي, ودورها المحتمل في دفعه إلي التطرف لحد الانضمام إلي تنظيم الدولة الإسلامية ليصبح جزار التنظيم. وأيا يكن قدر التفاصيل, إن أعلن أو سرب, فلن تكون بخطورة نتائج الزلزال العنيف الذي كشف عن هوية جون الجهادي. أخطر النتائج هو شقوق كبيرة وعميقة فيما بدا أنه قشرة التنوع الديني والثقافي الذي تتغني به بريطانيا. عندما يناقش البريطانيون, عبر شبكة التواصل الاجتماعي وتعليقاتهم علي مواقع وسائل الإعلام المحترمة, يشيرون إلي أنفسهم ب نحن, وإلي المسلمين( أيا يكن جنسهم أو أصلهم) ب هم. ويستخدمون تعبيرات مثل قيمنا وقيمهم, أفكارنا و أفكارهم, عقليتنا و عقليتهم. ولذا, لم تكن وسائل الإعلام اليمينية المعادية للمسلمين في حاجة إلي بذل كثير من العناء لدفع جمهورها للتطرف في كراهية الإسلام والمسلمين بعدما اتهمت منظمة كيدج, التي تقول إنها تدافع عن حقوق ضحايا الحرب علي الإرهاب, الاستخبارات البريطانية الداخلية إم آي5 بأنها تتحمل مسئولية كبيرة عن تطرف إموازي. وعندما أعلن عاصم قريشي, أحد قادة المنظمة, أن المنظمة هي التي كشفت هوية جون الجهادي, وكشف تفاصيل مراسلات بينه وبين إموازي, ووصف صدمته في كيفية تحويل الاستخبارات البريطانية له من شخص لطيف, لين, هادئ إلي إرهابي, انفتحت أبواب جهنم عليه. وفتشت وسائل إعلام في سجله وأخرجت له( قريشي) صورة في مظاهرة عام2006 مناهضة للحرب علي العراق, طالب فيها بدعم جهاد الإخوة والأخوات في العراق. وحتي عندما دعت والدة جيمس فولي, الصحفي الأمريكي الذي قطع إموازي رأسه, إلي الصفح عن القاتل لإنهاء مأساة الكراهية, ردت شقيقة ديفيد هينز, أحد ضحايا سكين جون, بأن أملها هو أن تري رصاصة في جبهته. وهنا سقط جزء كبير من قشرة استيعاب المسلمين التي تتحدث عنها بريطانيا كثيرا. فتعليقات البريطانيين بلغت أقصي درجات الصراحة. ومن هذه التعليقات: المشكلة ليست الأصولية الإسلامية بل أصول الدين الإسلامي نفسه, المشكلة في السعودية وعائلتها المالكة وإسلامها, كي تتحقق العدالة يجب أن تقطع رؤوس أسرة إموازي الإرهابية التي تنعم بالرعاية في بريطانيا, العين بالعين كما يقول الإسلام, ما لم يقبل المسلمون بريطانيا حيث لا مكان للدين, فأبواب بريطانيا مفتوحة للرحيل,ولو أرادوا يجب أن يبقوا هنا بشروطنا. وفي مواجهة هذه العاصفة الغاضبة, لم يكن, ولا يزال, الوقت غير مناسب لدفاع سياسيي بريطانيا وقادة الاستخبارات السابقين والأمن, كما فعلوا من قبل عن غالبية المسلمين المعتدلين, بل عن الثقة التي يجب ألا تهتز في الأجهزة الأمنية. وفي المقابل, قلما تجد تعليقا أو رأيا يدافع عن المسلمين. وإن وجدت, فإنها تحتج بالتمييز الذي يعانيه المسلمون وتغذية الصورة السلبية التي تحملهم مسئولية أفعال بعضهم الإرهابية وأفكارهم المتطرفة( هناك600 مقاتل بريطاني مسلم في صفوف تنظيم الدولة, ما يعني أنه من بين كل45 ألف مسلم, هناك واحد انضم للتنظيم). لم يسقط الزلزال, فقط, بعض الأوهام التي تروج لأن سياسة الاندماج فاعلة في بريطانيا, بل أيقظ المجتمع علي حقائق يعيشها لكنه لا يتحدث عنها. ومنها: صحيح أن الإسلام ثاني أكثر الاديان انتشارا في بريطانيا( إذ إن المسلمين مجتمعين هم أكبر عددا من معتنقي الأديان الأخري غير المسيحية مجتمعة), فإنهم يعيشون في دولة مسيحية وحوالي60 في المائة من مواطنيها مسيحيون, ولا يلعب الدين في حياتهم دور الإسلام في حياة المسلمين. حوالي25 من البريطانيين بلا دين. أحد التعلقيات التي كانت أكثر حصولا علي تأييد المعلقين والقراء يقول: المسلمون ينظمون مسيرات في شوارعنا للمطالبة بحظر المشروبات الكحولية إلي غير ذلك, ولكن لا شئ( لا مسيرات مماثلة) ضد الفظائع التي يقترفها الإرهابيون.. صمت كامل... كفاية. لا يزال هناك من يلوم بريطانيا والغرب علي أفعالهم الاستعمارية السابقة في العالم العربي والإسلامي. لكن الاتجاه الشائع يقول: كرة اللهب لا تزال في أحضان المسلمين, إن أرادوا أطفأوها أو أثبتوا, علي الأقل, أنهم يؤدون المطلوب منهم لإطفائها, وإن أرادوا احتضنوها أكثر ودفعوا الثمن, في بلد يشملهم بالرعاية ويحترم حرياتهم في ممارسة شعائر دينهم, وهو ما لم يتوافر حتي في بعض بلدان المسلمين. لما سئل جون سورز, رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني الخارجي إم آي6, عن رأيه في سبب كل هذا التطرف الإسلامي قال إن السبب الأول هو: الناس( المسلمون) في هذا البلد ليسوا مندمجين كما نود لهم.. بسبب عدد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية.( معتنقو) الأديان الأخري سواء من الهندوس أو السيخ أو اليهود مندمجون بشكل جيد في هذه البلاد. والسبب الثاني, حسب اعتقاد سورز, هو أن الدين الإسلامي ككل ليس مهيأ بشكل جيد لتجديد وتحديث نفسه كي يساير قيم وأعراف مجتمع يعيش في القرن الحادي والعشرين. وكان مدهشا أن يكشف الرجل, الذي كان يوما مسؤولا عن تعاون الاستخبارات البريطانية مع أجهزة عربية وإسلامية وغربية لمكافحة الإرهاب, عن اعتقاد لديه بأنه الجهاد أحد أركان الإسلام الخمسة(!!) وأحد المبادئ التي يلزم كل المسلمين أنفسهم بها.... قد تجيب شهادة سورز, علي السؤال الذي يسأله المسلمون دائما: ماذا علينا أن نفعل لنساعد في مواجهة التطرف؟ رسالة لندن: مروان سلطان