حظيت قضية مقتل كلب شبرا الخيمة بتغطية إعلامية مكثفة بدأت من إعلام المواطن على صفحات التواصل الاجتماعى وهشتاج للكلب القتيل وانتقلت إلى وسائل الإعلام التقليدية والمواقع الإلكترونية، وتحركت منظمات حقوق الحيوان تطالب بالقبض على الجناة وتطبيق أقصى عقوبة. ردود الأفعال الغاضبة بالفعل والمفتعلة من البعض للدلالة على فرط الإنسانية -أدت إلى تحرك الأجهزة وسرعة القبض على الجناة المتهمين بقتل الكلب ناقش الإعلامى القضية والتكييف القانونى وعندما وجدوا أن العقوبة مخففة أعادوا صياغة الاتهام ليصبح ترويع المواطنين واستخدام أسلحة بيضاء متناسين أن الكلب قبل قتله روع المواطنين ونهش لحمهم، الإعلام تعامل وفق نظرية إذا عض إنسان كلبا هذا هو الخبر أما إذا عض كلب إنسانا فهذا ليس خبرا، مدرسة الإثارة والبحث عن الغريب. لذا جاءت معالجة قضية مقتل الكلب منحازة للكلاب متجاهلة الطرف الآخر البشر الذى تضرر من عض الكلب له فى منطقة حساسة. الاهتمام الإعلامى بحادث مقتل كلب تطرح قضية أجندة الإعلام؟ وأجندة الناس؟ وهل القضايا التى يعانيها البشر فى حياتهم اليومية هى المطروحة للنقاش فى البرامج؟ أم أن الإعلامى بما يمارسه من إلحاح يفرض على الجمهور قضايا اخرى غير قضاياه؟ وهل الإعلام فى معالجته للقضايا التى لم تكن من أولويات الجمهور يبحث عن زوايا للمعالجة مختلفة هل يعالجها بعمق لتقديم تفسير؟ أم يعالجها بسطحية يقدم إثارة ولايبحث عن الحلول؟ فى حادث مقتل الكلب نصب الجميع المأتم وأقاموا مندبة ولن أقول الجنازة حارة والميت كلب لأن للكلاب حقوقا لابد من احترامها ليس فقط احتراما للقانون وإنما احترام لإنسانيتنا والتزام بتعاليم الأديان السماوية التى دعتنا للرفق بالحيوان، ماالذى يجعل البشر ينتقم من كلب؟لايكتفى بالقتل وإنما يعذبه ويمثل بجثته؟ سؤال لم يقدم الإعلام إجابة له. شاب من شبرا الخيمة عمره 19 عاما شاهد الحادث قال بعفوية كل يوم تقع خناقات فى المنطقة تسفر عن قتلى ومصابين. رؤية الدم حدث يومى تعايشنا معه بعد أن أصبح السلاح فى يد الجميع، بعد التعايش مع رؤية دم البشر لماذا الانزعاج من رؤية دماء الكلاب. إذن المشكلة أعمق وأشد خطورة من مقتل كلب رغم قسوة الحادث المشكلة فى مجتمع يجنح للعنف مجتمع لم يعد يختلف بالحوار والكلمة، ولكن بالرصاص والدم وإعلام يغذى هذا الاتجاه بالدعوة إلى إقصاء أصحاب أى رأى مختلف، حتى لو كان الخلاف فى التفاصيل وليس فى الاتجاه العام. قالت لى مذيعة من القابضات على جمر المهنة - لن استغرب إذا شاهدت مذيعا يظهر على الهواء متجردا من ملابسه ليرفع نسب المشاهدة ويحظى بجزء أكبر من كعكة الإعلانات، بعد أن استنفذوا رصيدهم فى مناقشة قضايا الجن والعفاريت والسحر والشعوذة وقضايا الاغتصاب والشذوذ والإلحاد، ورغم كل ذلك تتراجع نسب المشاهدة. "الجمهور عايز إيه؟" سؤال لايجهد الإعلاميون أنفسهم للبحث عن إجابة له؟ لأنهم قرروا فرض وصايتهم ووجهة نظرهم. يتعاملون مع المشاهدين باعتبارهم ناقصى الأهلية. يحتاجون لمن يأخذ بعقولهم إلى حيث يريدون. تعلمنا أن عملية الاتصال لكى تتم بنجاح لابد من معرفة "رجع الصدي" للرسالة لكن سقطت مرحلة رجع الصدى وقياس أثر الرسالة من عملية الاتصال ليصبح الإعلام فى اتجاه واحد أشبه بحديث الطرشان.