قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية بعض القوانين المنظمة للانتخابات، والخاصة بتقسيم الدوائر وتوزيع مقاعد المرشحين على النظام الفردي، وهو ما احترمته الرئاسة والحكومة على حد سواء، حيث وجه السيد الرئيس الحكومة بضرورة الانتهاء من التعديلات القانونية المطلوبة فى غضون شهر، وهنا يجب أن تكون لنا وقفة طويلة عند هذا الموقف لتحليل موقف الحكومة ولجنة صياغة القانون من جهة، وموقف السيد الرئيس من جهة اخرى. وفيما يخص موقف الحكومة واللجنة المشكلة خصيصا من أجل صياغة هذا القانون الذى قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية بعض مواده، اعتقد أنه كان يجب على الحكومة أن تقوم بتشكيل لجنة قانونية أخرى لمراجعة دستورية ذلك القانون الذى تفضلت اللجنة الأصلية بكتابته وقدمته الحكومة بكل طمأنينة وثقة إلى السيد الرئيس لإجازته. ولكن السؤال الذى يبدو مُلحا وبمنطقية ودون شبهة تحامل أو أدنى تعد، هو كيف للجنة القانونية التى عُهد إليها من قبل الحكومة لإنجاز هذا العمل المهم ألا تكون على دراية بالدستورى من المواد القانونية من غير الدستورى منها، مع الأخذ فى الاعتبار طبيعة الظرف السياسى الدقيق الذى تمر به البلاد والذى يجب أن يشكل دافعا للجميع ناحية توخى الحرص والحيطة فى إنجاز كافة المتطلبات الوطنية. إن قرار الدستورية العليا منح الفرصة للمتربصين للتشكيك البغيض وغير المقبول فى مصداقية عزم السيد الرئيس ورئيس مجلس الوزراء على منح البلاد استحقاقها الديمقراطى الثالث ممثلا فى "مجلس النواب". وفى الواقع فلا أجد لما حدث مبررا، خاصة أن مصر زاخرة بالخبرات القانونية العتيدة لاسيما فى مجال القانون الدستورى، فكيف يُنظر إلى مصر على أنها مستودع للخبرات القانونية التى تسهم بعلمها فى إثراء كافة المؤسسات القانونية العربية وغير العربية ونقع فى مثل هذا الخطأ الفادح. الأمر لا يقتصر على مجرد خطأ وقع فيه بعض من فقهاء القانون وسيجرى تعديله، ولكن الأمر بوجهة نظرى يفوق ذلك لما قد يتسبب فيه من النيل من سمعة الخبرات المصرية فى هذا المجال، وهو امر غير مقبول على الإطلاق. وهنا اطالب من سيتم تكليفهم بإجراء التعديلات المطلوبة تنفيذا لتوجيهات الرئاسة أن يقوموا بمراجعة مواد الدستور فيما يخص القواعد المنظمة لإجراء انتخابات مجلس النواب ومطابقتها مع قواعد ومواد القانون الدستورى للوقوف بداية على ما هو دستورى من عدمه. وفى نفس السياق فقد جاء رد السيد الرئيس كالعادة غاية فى الحسم حيث اثبت كما عودنا فهمه لمجريات الأمور ولم يتوان فى التوجيه بان تعكف الحكومة على اجراء التعديلات القانونية المطلوبة لملاءمة القانون والدستورية مانحا مهلة شهرا، وذلك حرصا منه على الوفاء باستكمال الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق حتى تكتمل الصورة النهائية التى تُمكن مصر من الانطلاق نحو الغد المشرق الذى ينتظرها، فقط اذا ما تكاتف المصريون وأعلوا من قيم العمل والمواطنة، فلا يجب أن يُترك القائد بمفرده فى الميدان وعلينا جميعا ان نكون جنودا مخلصين اوفياء لوطننا. وبطبيعة الحال لا يجب أن تؤخذ السطور السابقة على اى محمل مسئ لا لفقهائنا القانونيين ولا للحكومة بقدر ما أرى انها تعبير عن غيرة وطنية محفوفة بالخوف على مقدرات الوطن.