تأجلت الانتخابات البرلمانية بعدما أصدرت المحكمة الدستورية قرارها ببطلان قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، لتدخل مصر عامها الخامس وهى بلا أى برلمان باستثناء الفترة القصيرة التى أعقبت انتخابات 2011 - 2012، وقد بحت الأصوات من قبل بأن القانون به عوار، لكن لم يسمع أحد؛ ليس هذا فحسب بل تعالت النداءات؛ لتصوب السلطة قناعاتها الملتبسة ليس فقط فى قواعد قانون تقسيم الدوائر، ولكن لإعادة النظر فى أهمية الانتخابات لحيوية النظام السياسى من الأساس، تلك القناعات التى توارثتها السلطات المتعاقبة، والتى جعلتهم لعقود خلت ينظرون إلى الانتخابات على أنها وسيلة لتأكيد بقائهم وهيمنتهم، وليست وسيلة لتداول السلطة، وهو ما دفعهم للإمعان فى تهيئة القانون ليكون بمقاسات محددة تصب فى صالحهم، رغم أنه يفترض أن يكون مهيأ لصالح كل المتنافسين على السواء، ولا ضمان لنزاهة القواعد وفاعليتها سوى بإقناع أى سلطة، بألا تكون طرفا موجها لعملية هندسة قواعد اللعبة الانتخابية أو متحكمة فيها بصورة منفردة. فمعلوم أن التدخل كان ومازال غير معبر عن إرادة التغيير التى تجلت فى 25 يناير وما بعدها، ويكاد يسهم فى استعادة ما قد ولى من حكم وزمن، وهنا أتذكر وأذكر نفسى بمدى النقلة النوعية التى أحدثتها الثورة فى المجتمع، ففى تجربة انتخابية محلية عام 2001 تشاورنا فيها حول شعار حملتنا الانتخابية، فكان المقترح أن يكون الشعار هو (التغيير. التغيير. التغيير)، وقد كان الهدف من الشعار أكبر من إبعاد شخص محلى قابع على كرسيه منذ 20 عاما فى رئاسة ناد رياضي، وفى حراسة نقابة مهنية، وتحت قبو مجلس الشوري، وفى عديد مجالس الإدارات على المستوى المحلى والإقليمي، حيث تتمحور حوله السياسة المحلية ومفرداتها واتصالا بمستوياتها العليا فحسب، بل كان إلى جانب ذلك استنفار وشحذ لهمم مجتمع لتحريكه نحو القيام بتغيير حتمى فى تركيبة الحكم والسلطة من رأسها حتى ذيولها المهيمنة على كافة المناصب المحلية، من الجمعيات المحلية ومراكز الشباب حتى عضوية البرلمان والوزارات. وقد كان نداء التغيير من أسفل اختبارا لمدى إدراك ووعى عينة محدودة فى بيئة محلية بأهمية التغيير كعنصر مؤثر فى تنشيط ذلك المكان، وإصلاح ما أفسده طول أمد البقاء فى المنصب، لكن لم تكن قواعد إدارة اللعبة الانتخابية حتى عند هذا المستوى شديد المحلية لتسمح بهذا الترف المسمى "التغيير" بفعل التدخل الأمنى والدولتي، كما لم تكن أيضا الأغلبية مستعدة ومتحمسة لتلك الدعوة فى حينها، لأن تلك العينة وأشباهها بطول القطر وعرضه كانوا من الأجيال التى ترعرعت فى زمن الخداع والقهر والخوف، فآثرت السلامة والاستكانة، وكأن حالة الموات التى بدت على مواقع السلطة جميعها قد انسحبت إلى عموم الناس ونخبتهم، الذين قَبِل بعضهم الانخراط فى مسرحياتها، وقَبِل آخرون "أن يعملوا من بنها". لكن جاءت ثورة 25 يناير وخلفها أجيال "رقمية ونتية" جديدة، ليجعلوا من التغيير دينا تعتنقه الأغلبية، ودخلت السياسة البيوت من الأبواب بعدما كان "للحيطة ودان" يخشاها الناس، وكسرت كل الحواجز، حتى انتقل المجتمع بكل فئاته من "التياسة" إلى السياسة، ومن الصعب تجاوز كل تلك التحولات وعدم الشروع فى دقة تنفيذ استحقاقاتها، فالمجتمع تغير يا ساده وبقيت القواعد التى تحكمه على حالها، لهذا يبدو حتميا ومصيريا الشروع فى هندسة القوانين الانتخابية وكافة القوانين بعد 30 يونيو؛ لتكون موافقة لمقتضى الحال، الذى يبدو بحاجة لقوانين تضمن التنافسية، وتؤمن المزيد من المشاركة الشعبية، وتسهم فى تقوية الأحزاب السياسية، وتَبْنى البرلمانات القوية. الكرة فى يد السلطة فبيدها وحدها أن تجعل من الانتخابات أداة لإنقاذ الوطن من أزماته، أن تجعل الانتخابات أداة للتغيير الذى لامناص منه، التغيير الذى ينتظره الشباب المختلف فى رؤاه وأدواته وتطلعاته ونظرته لذاته وقضاياه ووطنه وعالمه، التغيير الذى أصبح ملحا للأغلبية وليس كما كان فى 2001 صرخات لم تسمع الأحياء ولا الموتى.