أتوقف كثيرا عند مواقف مرت بأنبياء الله وذكرها القرآن لأدرك أن حرية الإرادة كانت شرطا لا يتجزأ من شروط الإيمان القائم علي العلم و الفهم. فلا ايمان بدون علم ولا حساب بدون إدراك. لذا فدهشتي لا تتوقف أمام هؤلاء الذين ينفون التفكير والتعلم والنقاش بينما هم خلق الله, بينما الله تقبل النقاش و الاستفسار وجعل من العلم سبيلا للترقي. ركزوا معي في موقف خلق آدم حينما سمح الله للملائكة بسؤاله عن سبب خلقه لهم وتحذيرهم من ذلك حين قالوا:أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ لم يغضب الله من ملائكته بل كانت الإجابة قوله تعالي: إني أعلم ما لا تعلمون. هكذا ببساطة. ثم خلق آدم وعلمه الأسماء كلها ليكون علم آدم مصدر فهمه وتفوقه ومبرر قدرته علي التمييز بين الخير والشر. موقف ينسف نظرية اقتصار العلم علي العلوم الشرعية التي يرددها البعض عن جهالة. فالله لم يقل نوعية الأسماء التي علمها لآدم وترك لنا الأمر علي إطلاقه لنتعلم كل ما هو متاح وكل حسب قدراته.فمن أنتم؟ وآخذكم لمشهد آخر أعتبره من اعظم مشاهد تعليم الله لنا للفهم والنقاش للتيقن نافيا تلك الفكرة الخبيثة التي يرددها تجار دين علي قلوبهم أقفال صدئة من قلة التيقن. إنه المشهد الذي كلم الله فيه الخليل نبي الله ابراهيم حين ساوره الشك في قدرة الله علي إحياء الموتي. وهو ما تعبر عنه الآية الكريمة بالقول: وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتي قال أولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي. فيا من تحرمون السؤال والفهم والشك والحق في التيقن من الإيمان, ما ردكم علي هذا الموقف الواضح الذي لا لبس فيه مع الله؟ هل وقع ابراهيم في المحظور بسؤال الله؟ أم وقعتم أنتم ومن تبعكم وسلم لكم عقله في الوحل حينما أقررتم بإلغاء العقل ومنع السؤال والنقاش؟ لم يغضب الله من نبيه حينما طلب الفهم ليطمئن قلبه بل عرض عليه كيف يحيي الموتي عمليا. نعم أراد ابراهيم أن يعاين مقدرة الله فلم يغضب عليه الخالق ومنحه ما طلب وهو العلي القدير. فمن انتم؟ ترددون أنكم أمة اقرأ وما انتم بقارئين. فلو كنتم كذلك لتمعنتم في معاني الآية الكريمة لتدركوا تفسير الله لنبيه فيما يقرأ مستعينا بمشيئة الله الخالق الذي علم بالقلم... ها هو العلم يتصدر مجددا أول آية في القرآن المنزل علي محمد عليه صلوات ربي ليؤكد لنا الله اهميته أيا ما كان فلم يحدد الله في آياته ما يفضله لنا من علوم لنتعلمها, آمرا إيانا بالسعي في العلم حتي لو نفذنا من أقطار السموات والأرض, فلن ننفذ إلا بسلطانه. ويضرب الله مثلا لعامة المسلمين حينما يرسل جبريل في صورة اعرابي بسيط, لرسول الله في مجلسه بين أتباعه فيسأله عن معاني الاسلام والايمان والاحسان وأمور شتي كان يمكن أن يعلمها المصطفي لأتباعه دونما هذا المشهد. ولكن يصر الله علي تعليمنا حق التفكير و النقاش و الحوار لكي يطمئن إيماننا. فمن أنتم؟ و هكذا يا سادة منحنا الله المثل تلو الآخر مؤكدا أن التفكير شرط الإرادة الحرة المستقلة للفهم ومن ثم الاقتناع الذي يقود للإيمان المتيقنن والذي تقوم عليه فكرة المسئولية عن الفعل. فإن لم تكن مسئولا عن أفعالك فكيف يحاسبك الله ويثيبك أو يعاقبك؟ وإن سلمت عقلك لأمير جماعة أو مرشدها فهل سيتحمل عنك الحساب بالجملة؟ وللحديث بقية