أثارت قضية مقتل الشهيدة شيماء الصباغ الكثير من الجدل داخل الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية المصرية, وعند الرأي العام الدولي, بعدما دخلت المنظمات الحقوقية في الخط وانتقدت مقتل الصباغ المتظاهرة السلمية التي قادتها ذكري الشهداء من الإسكندرية إلي ميدان طلعت حرب ومنه إلي التحرير للاحتفاء بهم والترحم علي أرواحهم دون أن تعلم أنها ستلحق بالقائمة بعدما استهدفتها أيادي الغدر, وتركتها غارقة في دمائها تلقي مصيرها المحتوم بينما انشغل الجميع في تراشق الاتهامات والمزايدات التي تسبق في كل مرة تحديد هوية القاتل. قضية الصباغ عرت مجموعة من الحقائق التي لا يجب في أي حال الصمت عنها. فهي فضحت مرة أخري واقع الإفلاس الذي تعيشه النخبة بكل مكوناتها بعدما نسيت كل الأطراف القضية الأساسية, قضية وطن مهدد بالانهيار, وباتت تستميت فقط في اتهام بعضها وتحميل المسئولية للآخر أو تشويه صورته. فمن يدعي الولاء للجيش والوطن لا يتردد بمناسبة أو بدون مناسبة في رد كل المصائب التي تحدث في البلد إلي الإخوان. ومن ينتمي للجماعة الإرهابية لا يهمه سوي حرق مصر ولا يتواني في استغلال مثل هذه الأحداث من أجل استقطاب وشحن الرأي العام الداخلي والدولي ضد الشرطة والنظام. والشرطة التي عليها مسئولية إعادة الأمن, والتي تحاول أن تسترجع معه هيبتها, أرهقها وضع البلد المنفلت أو ربما حن بعض عناصرها إلي ماضيهم القمعي وهو ما يفسر تسجيل بعض التجاوزات غير المسموح بإعادة ارتكابها مرة أخري بعد ثورتين. أما الثوار فقد كشفت حادثة الصباغ استمرار عدم نضجهم السياسي وأيضا فراغهم الثوري, فمن يتجاهل الحساسية الأمنية لبلد يحارب الإرهاب ومهدد بانهيار منظومته الأمنية, ومن يتاجر بدم الشهيد, لا يمكن أن يبني أو يستأمن علي وطن. قضية الصباغ هي صورة مصغرة عن واقع مصر الحالي. قتلت شيماء والكل يتاجر في قضيتها مثلما كان الكل شريكا في قتلها, وإن كانت أصابع الاتهام تشير إلي الشرطة. والحقيقة أن شيماء دفعت أولا, ثمن نظام تتخبط سياساته بين إلزامية إعادة الأمن والاستقرار والغلو في استعمال القوة من خلال قانون تظاهر ردعي قدر له أن يوجد الفجوة أكثر بين الدولة والثوار ممن قاموا بالثورة وكفروا بمرسي وأيدوا الجيش في03 يونيو وأصيبوا بالإحباط بعد أن تبخر حلمهم بتحقيق أهداف ثورتهم. ثانيا, ثمن جماعة إرهابية, شعارها أنا وبعدي الطوفان, هدفها إحراق مصر التي لم يعد لهم فيها مكان بعد أن باتت كل محاولاتهم باسترجاعها بالفشل, ناسفين بذلك أي مشروع فكرة لمصالحة وطنية تقي مصر شر العنف والإرهاب الذي تعيشه. ثالثا, ثمن مراهقة النشطاء وأنانية السياسة والسياسيين ونفاق الإعلام والإعلاميين ممن يفتقدون إلي أدني مستويات النضج السياسي والوطني ويساهمون بشكل أو بآخر في إغراق مصر في وحل العنف والكره. الصورة بعد أربع سنوات علي الثورة لا تزال قائمة, فهناك وطن يحاول جمع شتاته, وهناك أيادي أيضا تسعي إلي العودة به إلي الخلف. راحت شيماء ضحية حسابات سياسية خاطئة, واستهتار وعنف أمني أو تآمر إخواني, وحدها التحقيقات ستحدد ملابساته, لكن لا تنازل إلا بتحقيق العدالة علي الجميع في إطار دولة القانون لقطع الطريق أمام كل المستفيدين من الدماء والمستثمرين في إثارة الفتن ونشر العنف. استشهدت شيماء وماتت قبلها الإنسانية, لكن لن يسمح باغتيال وطن أو تحويله إلي سوريا أو عراق أو يمن أو ليبيا. لابد من وقفة ضمير ليس دفاعا عن نظام أو جماعة أو فصيل, فكلهم راحلون بالنهاية, ولكن دفاعا عن وطن. إن سقطت مصر فلن تقوم أبدا لا سمح الله, فكونوا رحيمين بها يرحمكم الله.