إذا كنت الشخص الذي يحترم الآخرين ويوقرهم ويهتم بسعادتهم, ويتمني لهم الخير, ويقوم بمسئولياته الاجتماعية, ويتخذ القرارات الأخلاقية التي تراعي مصالح الآخرين, ويبحث عن الحلول السلمية للصراعات.. فأنت معلم. إن الأخلاق تبني علي الحب, وعندما تبني العلاقة مع النشء علي الحب, تكون هناك قناة قوية للتأثير عليهم في عالم يحيطهم بسلوكيات الحب الذي يكون الأثر الأعمق في نفوسهم. الحب هو الذي يخلع علي القيم كل ما لها من قيمة, إذ ماذا عسي أن يكون الحق دون حب الحق؟ وماذا عسي أن يكون الخير دون حب الخير؟ وماذا عسي أن يكون الجمال دون حب الجمال؟ إن قيم الحب والخير والجمال تعد حلا للصراعات الإنسانية, وتحد من الشعور بالإحباط والقلق واليأس. وعن طريق الحب يتحقق الهدوء النفسي, ويرتفع تقدير الذات, وتنضبط الانفعالات, وتحجب الكراهية, والأنانية, والعجب بالذات. إن الحب قوة فعالة في الإنسان, تقتحم الجدران التي تفصل الإنسان عن رفاقه, والتي توحده مع الآخرين, ليجعله يتغلب علي الشعور بالعزلة والانفصال. ولا يقتصر الحب علي التعلق بشخص معين, وإنما هو موقف واتجاه للشخصية يحدد علاقة الشخص بالعالم ككل, لا نحو موضوع واحد للحب. والحب نشاط, وليس شعورا سلبيا, إنه القوة وليس الضعف. ويتمثل الطابع الإيجابي للحب في كونه يمثل العطاء, ويتضمن عناصر رئيسة معينة شائعة في جميع أشكاله, وهي: الرعاية, والمسئولية, والاحترام, والمعرفة. ولاشك أنه إذا شاعت التربية بالحب في الأجواء التعليمية, يكون لها مردود إيجابي علي التلاميذ. والحب يشيع الجمال والراحة والطمأنينة, ويقيم الجسور, ويشع دفئا يربط بين الناس. إن الحب في مظهر من مظاهره عطاء. يتعامل المعلم مع طلابه بالحب, يجد نفسه أمام واجبات لا حصر لها, كلها تصب في بناء البشر. والحب ليس ترفا, بل هو ضرورة ملحة خاصة في مجال العلاقات الإنسانية, ومن ضمنها علاقة المعلم بطلابه, وذلك باعتبار الحب الأساس الذي تقوم عليه سائر العلاقات السوية بين البشر, حيث تقع علي كاهل المعلم مسئولية كبيرة, إذ لا تقتصر مهمته علي نقل المعارف إلي أذهان الطلاب, بل تكوين شخصياتهم وتربيتها, والتعاطف مع مشاعرهم ومشكلاتهم, وتعديل اتجاهاتهم وسلوكياتهم بطرق إيجابية, والتعامل معهم بطرق تحترم ذواتهم, وتمنحهم الثقة بالنفس وتكسبهم الفضائل الأخلاقية, ولتحقيق ذلك لابد من توافر نوع من التربية يسمي التربية بالحب, تستند دعائمه علي مبادئ إنسانية تتضح مظاهرها في: حب المتعلم واحترام شخصيته والتعاطف معه, واستحضار الحب ووسائله في التواصل بين المعلم والمتعلم خلال المواقف التعليمية, والاستعانة بطرق تدريسية تشجع المتعلم علي المبادأة والتفاعل والتعاون, واستخدام وسائل وأنشطة تراعي الفروق الفردية بين المتعلمين, مما يشعر المتعلمين بالود والطمأنينة, ويجعلهم متقبلين للمعلم وللمواد التي يدرسها لهم, والتي تحتاج إلي بذل جهد كبير من قبل المعلم لطبيعة هذه المواد وكيفية الاستفادة منها في أوجه الحياة المختلفة, وشحذ تفكيرهم وتشجيعهم علي ممارسة أنواع مختلفة من التفكير. ولا يتحقق ذلك إلا بوجود معلم يتحلي بفضائل أخلاقية وقدرة علي التواصل مع المتعلمين بصورة صحيحة. وإذا كانت التربية بالحب أساسا مهما للتعاملات السوية القائمة بين المعلم والتلميذ, وتحقيق نتائج إيجابية في العملية التعليمية, فلابد من إقامة جسور تواصل قوية بينهما, ولتحقيق ذلك يجب توافر لغة تواصل واضحة لفظية وغير لفظية خلال التعاملات الصفية, مما يستوجب الاهتمام بتنمية مهارات التواصل الصفي, وتشمل: التواصل اللفظي الذي يضم كل أنواع الاتصال التي تستخدم فيها الألفاظ المنطوقة, والرموز الصوتية التي تشير إلي أشياء محددة في عملية التعلم, والتي يستقبلها المتعلم بحاسة السمع. كما تشتمل علي التواصل غير اللفظي الذي يعتمد علي لغة خاصة غير منطوقة مثل لغة الإشارة والإيماءات التي تعد لغة منظورة تدعم التعبير الشفوي, وتؤدي دورا مؤثرا في دعم الفكرة أو توصيل الإحساس. ويعد التدريس سلوكا قبل أن يكون تقديما للمعلومات, وللأسف غالبا ما تركز المدارس علي تقديم الجوانب المعرفية, والتغافل عن الجوانب الوجدانية التي تعد من أهم مكونات الشخصية الإنسانية. ونظرا لأهمية توافر التربية بالحب أنها اتجاه فكري يؤكد علي الاهتمام بالمتعلم من جميع الجوانب, ويسهم في تنمية الذكاء والأخلاق, ومهارات التواصل. ويؤسس علي احترام شخصية الفرد وحريته, والحفاظ علي كرامته, ومراعاة اهتماماته وحاجاته, إن التلاميذ يتعلمون بطريقة أفضل عندما يشعرون بالاهتمام والصدق من جانب المعلم, وهناك جوانب مهمة لسلوك التعلم بالحب داخل الفصل وهي: الصدق والحقيقة, والقبول والثقة, والتفهم بتعاطف. وهذه الجوانب تساعد علي سيادة روح الود بين التلاميذ وتزيد من فرص التحاور وطرح الأسئلة بطريقة أفضل. إن التعلم الميت يركز علي الطرق الآلية والطقوس الروتينية الزائدة, والكسل والضجر, ودور المعلم تلقيني ويمثل الطلاب الوعاء الذي يتسلم المعلومات ويخزنها. أما التعلم الحي وهو التعلم بالحب يستند إلي النشاط والفاعلية, ويتعلم الطلاب بطريقة حقيقية تتسم بالحماسة ويعامل كل طالب باحترام, وبطرق تتوافق مع احتياجاته واهتماماته وقدراته, ويشتمل التعلم علي المشاعر والعواطف والخبرات الحياتية للمتعلمين من أجل متعلم جديد لمجتمع جديد. أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس