الكثير من الأفلام التي تحاول أن تصبح جادة تنحي منحي يجعل منها مقالات و خطبا سياسية, معتزة بأنها قد جاهرت بآرائها السياسية و الاجتماعية علنا دون الخوف من سلطة سياسية أو جموع من أصحاب الفكر المسيطر في المجتمع و الذين يقفون أمام أي تغيير بدعاوي حماية القيم الدينية والتقاليد و الأعراف. في المعظم والأعم تكون تلك الأفلام بعيدة كل البعد عن العمل الفني, بل وحتي عن السينما السياسية من حيث تقديمها للظاهرة وتحليل أسبابها و أصحاب المصلحة الحقيقية في بقاء تلك الظاهرة في المجتمع, بل يكتفون بترديد مجموعة من المبادئ حول ظواهر الواقع ليحملوا وسام الشجاعة علي صدورهم, و ينتهي عرض الفيلم دون أن يترك أي أثر في قائمة السينما الخالدة, والتي تعد في مصر أهزل قائمة سينمائية في العالم من حيث نسبة الأفلام الجيدة للأفلام التي تم تصويرها( حيث لا تضم سوي عشرات الأفلام). كان البعض يردد بأن الأزمة هي أن السينما المصرية شديدة الفقر و بالتالي لا تملك إمكانات صناعة سينما عالية التكاليف الإنتاجية التي من الممكن أن تتألق عالميا, بالطبع تلك هي آراء أصحاب أفلام الأكشن والمعارك وبورصة النجوم, وهم نفسهم من يتصورون أن المهرجانات سجاجيد حمراء و فساتين سهرة و مآدب و حفلات, و أكبر مثال علي ذلك فيلم ليلة البيبي دول الذي يعد من أكثر الأفلام كلفة في تاريخ السينما و مع ذلك جاء الفيلم شديد الركاكة وصلت لحد الكوميديا بالرغم من كونه فيلما حاول أن يكون فيلما جادا, فلقد عمل صانعوه علي نسخ صور واقع فعلي حدث وتم تحويلها لصور سينمائية فجاءت ممسوخة بلا معني, وذلك لأن صور الوقع أشد تأثيرا من الخيال وتفوق اعادة إنتاجها علي الشاشة, بل إن الكثير من المشاهد جاءت نسخا مبتذلة من مشاهد أفلام أخري عن نفس الموضوع, فأصبحنا و كأننا في معرض للصور المائية والرسم بالفحم يقام علي الرصيف للفنانين الهواة الذين يعيدون إنتاج صور النجوم واللوحات الشهيرة ومشاهد الأفلام ناسخين الصور الفوتوغرافية, تلك اللوحات لا يمكن أن تنسي مشاهديها الأصل, مثلما لا يمكن لحادثة فعلية هزت المجتمع و تتابع النشر عليها في جميع الصحف أن تتراجع قوتها أمام فيلم صور عن الحادثة نفسها, فتقديم تلك النوعية من السينما ليس سوي ابتذال للواقع نفسه عبر نسخه. يتولد هذا الإحساس لدي المهتمين بالسينما في كل مرة يشاهدون أفلاما سينمائية إيرانية وآسيوية من تايوان و هونج كونج الصين حاليا بل و الكثير من أفلام المغرب العربي الحديثة وبالذات أفلام دولة المغرب. فتلك الأفلام تعالج الواقع و مشاكله( اقتصادية اجتماعية فكرية) من خلال قصة الإنسان نفسه وليس من خلال بيان لطرح الأفكار و المواقف التي يحاول صانعو السينما المباشرة حشر شخصياتهم الدرامية فيها. تلك الأفلام تحتاج قدرا من الإبداع في رسم الشخصيات والمواقف وصنع الحبكة الدرامية لتوصيل القضية دون الكلام مباشرة في الموضوع, بناء يحتاج لموهبة يفتقدها الكثيرون من كتابنا. تتجسد تلك المفاهيم مع فيلم الجامع من إخراج داود أولاد السيد ذلك المخرج المغربي الذي قدم في السابق فيلمه( في انتظار بازوليني) عن أوضاع العاملين في السينما من سكان صحراء المغرب و بالتحديد في منطقة' ورزازت' حيث يترك الجميع أعمالهم في الفلاحة و المهن اليديوية ليتحولوا إلي كومبارس في أفلام السينما العالمية التي تتخذ من أرض المغرب مكانا لتصوير أفلامها لرخصها, وقد بين الفيلم كيف أن هؤلاء المعدمين المتعطلين عن العمل يجدون في هوليود الصحراء تلك متنفسا لهم ليكسبوا القليل من الأموال عبر ظهورهم أو ظهور زوجاتهم أو حتي أولادهم من خلال أفلام السينما تلك, و كيف أن البعض منهم قد عاصر المخرج بيير باولو بازوليني عندما جاء للمغرب لتصوير فيلم له هناك و عملوا معه ككومبارس في فيلمه, و هو ما كان فاتحة خير بالنسبة للكثير منهم حيث استطاع الكثير منهم الحصول علي الأموال اللازمة لتشييد منازلهم التي يعيشون فيها.